قال أستاذ القانون الدولي الخاص والمستشار والخبير لدى المحكمة الدستورية بألمانيا، ماثياس روهه أول من أمس إن الإسلام أصبح جزءا لا يتجزأ من المجتمع الألماني، وإن المسلمين لديهم كل الحق في إنشاء مساجد ومآذن لهم، مشيراً إلى أن المآذن لا تشكل تهديدا أو خطرا على سويسرا. وأضاف في محاضرة بعنوان "المسلمون في ألمانيا.. الأوضاع القانونية والتحديات الاجتماعية" ألقاها في مقر جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بطرابلس طبقا لوكالة الأنباء الألمانية: إن الدستور الألماني يضمن الحقوق الإنسانية لكل الألمان والتي لا يمكن تغييرها أو تقليصها أو إنقاصها بأي مبادرة أو استفتاء أو غيره لأن ذلك يعد مخالفا لكل القوانين في ألمانيا. واستعرض روهه الوضع القانوني للمسلمين في ألمانيا والمشاكل والتحديات التي تواجههم وحلولها الممكنة، موضحا أن هناك أكثر من 4,5 ملايين مسلم يتوزعون في المجتمع الألماني بمختلف مذاهبهم وعاداتهم وتقاليدهم. وأشار إلى خلو المجتمع الألماني من ظاهرة التخوف من الإسلام باستثناء بعض الحالات الناجمة عن الاعتقاد الخاطئ وعدم فهم الإسلام بصورته الصحيحة، موضحا أنه تم بناء أكثر من ألفي مسجد في ألمانيا خلال العقود الأربعة الماضية. وفي هذا الصدد لفت إلى القرار السويسري بحظر بناء مآذن للمساجد في سويسرا مؤكدا أن المآذن لا تشكل تهديدا أو خطرا على سويسرا. وأوضح أن القانون السويسري يعارض القانون الأوروبي العام والمتعلق بحرية الأديان وأنه على سويسرا أن تلغي هذا القرار لأنها بذلك تخرج من منظومة قوانين حقوق الإنسان. وشدد على دور العلماء المسلمين في التفريق بين ظاهرة التطرف والثقافة الإسلامية بصورتها الصحيحة التي ينتمي إليها غالبية المسلمين في العالم وإبراز الصورة الصحيحة للإسلام في المجتمعات الأوروبية. وكان قرار حظر بناء المآذن في سويسرا الذي تقرر في 29/ 11/ 2009 بعد استفتاء صوتت فيه أغلبية الشعب السويسري على منعها قد أثار جدلاً في مختلف أنحاء العالم، ولم يتوقف المسلمون على المستويين الرسمي والشعبي عن إبداء تذمرهم لمثل هذا القرار، وقال مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) عبدالعزيز عثمان التويجري "إنه حزين جداً لهذا القرار"، معتبراً أن هذا التصرف يدل على التعصب والانغلاق وهو بالتالي قرار خاطئ لا يخدم التعايش وحوار الحضارات، وفي المغرب، استنكر المجلس العلمي المغربي وهو أعلى هيئة دينية في المغرب منع بناء المآذن في المساجد بسويسرا، وأعرب المجلس في بيان له عن "استغرابه لهذا الموقف، الذي يجده مناقضاً للصورة الحضارية لدى المسلمين عن سويسرا"، وأعرب عن أمله في أن "يبتكر الحكماء في هذا البلد أسلوبا يؤدي إلى إبطال هذا المنع"، وفي مصر وصلت الاحتجاجات إلى حد إطلاق الدعوات لمقاطعة البضائع السويسرية احتجاجا على الخطوة التي وصفوها بأنها تدل على ممارسة التمييز ضد الإسلام دون باقي الديانات الأخرى، واعتبر عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الدكتور عبدالمعطي بيومي ما حدث بأنه "عودة لعصور الاضطهاد الديني ومفتاح لأبواب التطرف"، كما نددت رابطة علماء فلسطين بطرح الحكومة السويسرية موضوع بناء المآذن للاستفتاء وما ترتب على ذلك من رفض الأغلبية لبناء مآذن جديدة في سويسرا، معتبرة ذلك تعدياً على الحرية الدينية للمسلمين، وقال رئيس الرابطة في الضفة الغربية الشيخ حامد البيتاوي إن هذه الخطوة تمس عقيدة مليار ونصف المليار مسلم في العالم، مضيفا أن هذا الأمر سيؤدي لنشر الكراهية والعنف بين شعوب العالم، خاصة أن هناك أقليات في العالمين العربي والإسلامي تعيش بأمن وطمأنينة وتمارس حريتها الدينية بشكل كامل، وطالب - في تصريح مكتوب - الحكومة السويسرية بالعدول عن هذا القرار، داعياً العقلاء في أوروبا كافة إلى التدخل ووضع حد لأية محاولات لنشر الكراهية بين أتباع الديانات. وفي هذا السياق من رفض الحظر السويسري لبناء المآذن تأتي محاضرة أستاذ القانون الدولي الخاص والمستشار والخبير لدى المحكمة الدستورية بألمانيا، ماثياس روهه، ليجدد التأكيد على أن هذا الحظر من شأنه أن يؤجج الصراع بين العالم الإسلامي والعالم الغربي، تماماً مثلما اعتبر التجمع الوطني المسيحي في الأراضي المقدسة بفلسطينالمحتلة نتيجة الاستفتاء السويسري خرقاً لمبادئ حرية المعتقدات، وقارن رئيس التجمع ديمتري دلياني هذا القرار بقرارات الاحتلال الإسرائيلي المشابهة في مضمونها مثل منع ظهور الصلبان المضيئة على أسطح الكنائس المطلة على مستوطنات يهودية في ضواحي القدس العربية المحتلة، ومنع الاحتلال رفع الأذان في المناطق التي يستوطن بالقرب منها يهود متدينون، مثنياً في الوقت نفسه على موقف الكنائس في سويسرا حيث عبّر رجال الدين المسيحي عن استيائهم من منع بناء المآذن ليؤكدوا أن هذا الإجحاف بحقوق المسلمين في سويسرا مصدره عنصري قومي سياسي وليس دينياً، وخاصة أن حزباً يمينياً متطرفاً غير متدين هو الذي فرض الاستفتاء ونظم الحملة الإعلانية المعادية للإسلام والمسلمين التي سبقت الاستفتاء. وشدد دلياني على أن نتيجة الاستفتاء المؤيدة لمنع بناء المآذن تعكس عداء للدين الإسلامي وعنصرية ضد المسلمين، وبنفس المستوى من الأهمية رفضاً للثقافة العربية الإسلامية التي نعتبر نحن، (مسيحيي الشرق) جزءاً لا يتجزأ منها ومن مكوناتها، داعياً الهيئات الدينية المسيحية والكنائس في سويسرا إلى الوقوف بجانب الهيئات الإسلامية للتغلب على الفكر العنصري الذي بدا واضحاً في نتائج الاستفتاء.