حقا لا تحتاج السعودية إلى أحد لكي يمد لها يد المساعدة في كارثة جدة كما تمدها للآخرين في كوارثهم، لكنها تحتاج إلى الشهامة منهم، إلى من يقول لها نحن معك كما كنت معنا دوما. السيول التي تعرضت لها عروس البحر الأحمر بعد سقوط الأمطار عليها في الأسبوع الماضي، ليست سيولا عادية بدليل أنها حركت مدينة حديثة وعصرية من مكانها، سلكت طريقها بسهولة في أحيائها وشوارعها كأنها تجري في مخرًات حفرت لها خصيصا، مخلفة وراءها حتى الآن نحو 106 قتلى، غير مئات السيارات والشاحنات التي طفت على مياهها إلى الهاوية. هذه الكارثة كشفت عن واقع مأساوي كنا نظنه خاصا بدولة دون أخرى في عالمنا العربي، فإذا بنا في الهوا سوا، غارقين في الفساد الإداري، وفي توجيه الميزانيات الضخمة لغير أهدافها الحقيقية. لكن معالجة هذا الواقع يبقى على خصوصيته لكل دولة، مرتبطا بشجاعة وشفافية التحقيق ونتائجه والمحاكمة الحازمة للأخطاء وبتر الفاسدين فورا، وهو القرار الذي أصدره العاهل السعودي أمام ما رآه من أضرار فادحة ناتجة عن أمطار يمكن أن تسقط على أي دولة ليس لديها امكانيات السعودية، ومع ذلك لا يكون لها نفس التأثير. الصراحة في الإشارة إلى فساد إداري هو رأس العلاج وعموده وذروة سنامه، وهو ما سيسرع من عملية الاصلاح، ولن يجعل الصراخ الاعلامي المرتفع حاليا بمثابة العاصفة التي تحنى لها الحكومة رأسها حتى تمر، وهو ما اعتدناه في كوارثنا بمصر! ما يعنينا هنا هو أن نسمع حكومتنا تعلن عن وضع كل امكاناتها في خدمة الشقيقة السعودية لتجاوز كارثة الفيضانات وتوابعها التي نسمع صداها عاليا من سكان جدة، كاحتمال فيضان بحيرة "المسك" التي تستقبل الصرف الصحي! السعودية لا تمن على أحد ولا تحتاج إلى امكانات أحد، فهي غنية بأموالها وخبراتها، لكن الشقيق يحتاج دائما إلى المواساة من شقيقه، إلى دموعه في ساعات الشدة ليغسل بها عرق المحن، وتشعره بأن وراءه ظهرا يستند إليه.