طفت بفضل الله ما استطعت من صور الأرض في جهات البوصلة. وقفت على تفاصيل الوجوه في شوارع الدنيا وميادينها المزدحمة وحين أغمض عيني لمراجعة الألبوم تبقى صورة الساعة الخامسة قبيل مغرب عرفات لا أجمل الصور فحسب، بل أعظمها دهشة في كتاب الكاميرا الإنسانية. عند الخامسة قبيل مغرب عرفات تبدأ مياه الأمل رحلة الصعود إلى شرايين هذه الأوجه الذابلة. وكل وجه من هذه الوجوه لا يشبه إلا شجرة – العرعر – التي تحتاج ثمانين عاماً كي تكتمل البناء من الجذر حتى اكتمال الورقة ولك من الخيال أن تشاهد كل هذه الثمانين حولاً تبذر وتنمو وتزهر وتورق في ظرف ساعة واحدة. وإذا ما أردت أن ترى الصورة الأجمل الأعظم في كل قصة تاريخ الفيلم الإنساني فاختر وجهاً واحداً لثمانيني من الصين يقف الساعة الخامسة على حدود عرفات نحو المشعر الحرام حيث قصة الحياة في ثمانين عاماً تذوب.. تتلاشى.. تغيب وراء ظهره.. تضمر بين يديه.. تنتهي على لسانه.. لتبدأ من رحم هذه الحياة ولادة الساعة الأخيرة. من هنا، من حدود عرفات نحو المشعر الحرام، يقف الوجه الإنساني على شيء لا يشبه إلا البوابة إلى الله وما أطولها من ساعة قبيل الغروب: قبيل الدخول إلى رحابة الرب دونما استئذان. قبيل أن تقسم على الله وأنت واثق من أنك على مسافة خطوة قصيرة من البِّر. هنا، على هذه الحدود تذوب الفروق على قسمات الوجه الإنساني: بين أن تجد كل هذه الوجوه التي أخذها الفرح في نوبة بكاء أو تحول البكاء لديها إلى هستيريا من فرحة الضحك أو ضحكات الفرحة. هنا أمام بوابة الله الحقيقية وفي الساعة الخامسة قبيل مغرب عرفات ساعة لا تشابهها ساعة في كل مليارات السنين من كل العصور. هنا يصبح الموت استساغاً حتى لدى أكثر الناس عشقاً لهذه الحياة، وهنا تصبح الحياة أمنية لكل عين تريد مهلة بسيطة.. قصيرة.. فقط حتى تشاهد نهاية الشمس قليلاً إلى اليمين وقد غابت فلا فارق أن أخذت بغيابها نهاية الرحلة الطويلة. هنا وقف إبراهيم الخليل.. قليلاً إلى اليمين وكأنك تزاحم على مكان قدميه، وهنا وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم، مثلكم تماماً يراقب ساعة الغروب على بوابة الله ومن كان على باب الله فماذا بقي للحياة من قيمة قبل هذه الحدود.؟ هنا تنتهي عرفات التي لن يكون لها معنى في ذات الساعة غداً مثلما لم يكن لها معنى في ذات الساعة بالأمس. هنا صورة لا تشبه حتى نفسها في صورة من ساعة أخرى على ذات المكان.