إن التحدث عن المملكة العربية السعودية شرف بالنسبة لي. ولوا كانت لي موهبة في تأليف القصص لوددت أن أفعل ذلك من أجل وطني. ولو كانت لدي القدرة على نظم المعلقات لكان فعل ذلك جزءاً من الروتين اليومي الذي أقوم به لتحية المملكة. بينكم عدد قليل من الناس الذين يقضون كل يوم في الكتابة عن المصائب أو الأخطاء التي ترتكب من السعوديين، وعندما لا يجدون هذه المواد فإنهم جاهزون لاختلاق القصص التي تصور المملكة بصورة سلبية. وما يمكنني أن أعد به هو أنه، خلافا لهؤلاء الأفراد، فإنني لن أختلق وقائع أو أحداثاً لتلائم الغرض الذي أريد تحقيقه من أجل بلدي. سأقدم لكم صورة عادلة لبلدي كما أراه. لعل الكثير منكم يعلم أن الأرقام المتعلقة بالمملكة العربية السعودية في كثير من الأحيان تتعلق بالمليارات. فوفقا لمنظمة أوبك، فإن احتياطي الدولة من النفط الخام في نهاية عام 2008 بلغ 264 مليار برميل أو نحو 25 % من احتياطات النفط العالمية المؤكدة. وهذا العام، تم منح 20 مليار دولار كهبة إلى أحدث جامعاتنا المستقلة وهي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا "كاوست". وهذه الأرقام نفتخر بها، ولكن اليوم، أود التركيز على أرقام أصغر، وهي أرقام لا تقل أهمية عن سابقتها. في سبتمبر بدأ طلاب الدراسات العليا دراستهم الأكاديمية في جامعة الملك عبدالله، هذه الجامعة التي تضم فريق عمل دولي وهيئة طلابية متنوعة من خلال موقعها المطل على البحر الأحمر بالقرب من جدة، وتقدم الدراسات العليا التي ترتكز على الهندسة والعلوم الصعبة وصناعة الطاقة بما في ذلك تحلية المياه. كما تضم السوبر كمبيوتر (شاهين) والذي يعتبر الرابع عشر عالمياً. وذلك بالتعاون مع شركة (آي بي إم) مما يعد قفزة هائلة في الاتجاه الذي نريد أن تتخذه المملكة وهو "الاقتصاد القائم على المعرفة". هذه الجامعة المستقلة الجديدة ليست فقط لتدريب المحترفين الجدد، بل أيضا لتشكيل مجموعة جديدة من المفكرين والفاعلين الذين لديهم خبرات مكثفة لقيادة البلد لما هو أفضل. المملكة هي أكبر اقتصاد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا)، وبالتالي فهي تمثل منطقة الشرق الأوسط في قمة مجموعة ال 20. إنه لشرف عظيم، وأيضا مسؤولية كبيرة أن ننضم إلى هذه المجموعة الدولية البالغة الأهمية لتحقيق الاستدامة البيئية، لأن عام 2016 هو مفتاح تحقيق ذلك، فبحلول ذلك العام تعتزم المملكة التخلص التدريجي من إنتاج جميع المحاصيل التي تستخدم كميات كثيفة من المياه مثل القمح وأن تعتمد بشكل شبه كامل على الواردات من هذه المنتجات بهدف تحسين توزيع إمدادات المياه المحدودة في البلاد. معروف أن منطقتنا تعاني من ندرة المياه العذبة، وبالتالي نريد أن نقدم قدوة لجيراننا لمواجهة التحديات في هذا القطاع. إن الاستدامة في الداخل سوف تترجم إلى الاستقرار لجيراننا. قيادة البلد أخذت على محمل الجد الآثار الصحية لموسم الحج هذا العام، لاسيما في ضوء المخاوف من فيروسH1N1 . ولهذا السبب، فإن المملكة قامت بتطعيم جميع العاملين في الحج وتلقيحهم ضد هذا المرض. وتحقيقا لهذه الغاية فقد أمرت القيادة ب 11 مليون جرعة من اللقاح. إن قيادة الملك عبدالله - جنبا إلى جنب مع الزيادة الكبيرة في عائدات النفط الضخمة- قد جلبت أيضا للمملكة نفوذا غير مسبوق ومنحتها مفتاح النفوذ في المنطقة، وتجد نفسها في موقف فريد من حيث وجود نحو 70 إلى 75 في المائة من الطاقة الإنتاجية الفائضة في العالم، مما يجعل نفوذها في النظام الاقتصادي الدولي اليوم لا مبالغة فيه. فالمملكة لديها طاقة إنتاج مستدام من 12.5 مليون برميل يوميا، وفي المقابل فإن روسيا - صاحبة ثاني أكبر قدرة على الإنتاج المستدام- لديها فقط حوالي 10 ملايين برميل يوميا. وداخل أوبك فإن المملكة لديها الهيمنة الكاملة. حيث تضخ السعودية مرتين ونصف أكثر من نفط أوبك مقارنة بثاني أكبر منتج للنفط داخل أوبك وهي إيران والتي تجد صعوبة كبيرة في حفظ الطاقة الإنتاجية المطرد والتي تشير التقارير الرسمية إلى أنها 4 ملايين برميل يوميا. إن قوة المملكة أصبحت أكثر وضوحا عند الأخذ في الاعتبار بحقيقة أن صادرات المملكة من النفط تزيد بثلاث مرات ونصف عن إيران. وإذا ترجمنا ذلك إلى اللغة النقدية، سنجد أن عائدات المملكة من صادرات النفط بلغت حوالي 280 مليار دولار في عام 2008، في حين أن إيران- والتي تسمى بأنها ثاني قوة في أوبك- بلغت ما يقدر ب 80 مليار دولار، أي أقل قليلا من أبو ظبي، وحتى الكويت. أما مسؤولية كون المملكة وصية على أقدس مدينتين من ناحية الإسلام، فإن هذا منح المملكة نفوذاً لا يقدر بثمن في منطقة منكوبة اليوم بالصراعات، وهو النفوذ الذي دفع المملكة لتحقيق هدفها المتمثل في نزع فتيل العديد من الأزمات التي تجتاح العالم الإسلامي. حققت المملكة تميزاً هذا العام لكونها أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية في العالم وفقا لإحصائيات 2008 حيث قدمت معونات بلغت نسبتها 0.85 في المائة تقريبا من الناتج المحلي الإجمالي والذي بلغ 470 بليون دولار في تلك السنة الجارية؛ وفي الوقت نفسه أنفقت الولاياتالمتحدة نسبة 0.02 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على المساعدات خلال نفس الفترة.فمساعدة المحتاجين هي جزء أساسي من الإسلام وجزء لا يتجزأ من مساهمة المملكة في المجتمع الدولي. إن نفقاتنا الدفاعية والأمنية تتناسب مع مسؤولياتنا الإقليمية. حيث تستقطع وزارت الدفاع والداخلية والحرس الوطني ثلث ميزانيتنا، ولكن أكبر نفقات الميزانية- على مدى السنوات الخمس الماضية- كانت من أجل التعليم والذي يستقطع 25 بالمائة من الميزانية. أما الخدمات الصحية وبناء البنية التحتية إلى جانب توفير الكهرباء للاستخدام المنزلي والصناعي فتستقطع ما تبقى من ميزانيتنا. وداخلها هناك نفقات الرعاية الاجتماعية وغيرها من مساعدات تقديم الدعم في شكل قروض بدون فوائد لشعبنا من أجل بناء المنازل والبدء في الأعمال التجارية. أنا فخور أن أختتم بياني بذكر اثنين من الأمثلة البارزة والتي تعكس قدرات وإنجازات الإنسان السعودي والإنجازات. الأول يخص الدكتورة حياة سندي والتي جاءت لي عندما كنت سفيرا في لندن لتخبرني عن عملها مع الشركة الصناعية الشهيرة شلمبرجير، بعد التخرج والحصول على شهادة الدكتوراه في التكنولوجيا الحيوية من جامعة كامبردج وحصولها على براءة اختراع جهاز "مارس" والذي يعمل على الرنين المغناطيسي والاستشعار الصوتي. ثم تولت رئاسة مركز الأبحاث في جامعة كامبريدج. ومنذ ذلك الحين انتقلت إلى جامعة هارفارد، حيث إنها أقدم باحث زائر في قسم الكيمياء والبيولوجيا الكيميائية. والمثال الآخر هو الدكتورة غادة المطيري والتي حصلت مؤخرا على اثنتين من الجوائز العالمية المرموقة حيث حصلت على جائزة الإبداع العلمي من أكبر منظمة لدعم البحث العلمي في الولاياتالمتحدةالأمريكية "NIH" ومنحة المعاهد الوطنية للصحة لمواصلة عملها في مجال إجراء عمليات طبية داخل الجسم البشري عبر الضوء في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو. كل منهما فعلت هذا من تلقاء نفسها. كل منهما تجعلني فخوراً بأن أقول "أنا سعودي".