داود الشريان - نقلا عن صحيفة الحياة تتبنى صحف سعودية هذه الأيام حملة صحافية حول «الاختلاط»، بدأت بمجموعة من المقالات لعدد من الكتاب الصحافيين، لكن سرعان ما تحول الكلام عن المسألة الى ميدان يتنافس فيه علماء الدين والدعاة، فكتب العديد منهم مقالات مهمة، وكان آخر المتخصصين القاضي في ديوان المظالم في السعودية، الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن الحارثي، الذي قال في حوار مع جريدة «الجزيرة»، إن «اعتبار أن الاختلاط محرم أشد تحريم، فهذا من القول على الله بلا علم، ومن الاستعجال بالأحكام بلا دليل». الحوارات والمقالات وخطب المساجد، لم تتوقف، وحملت آراء وأفكاراً جريئة وجديدة حول الاختلاط، والفارق بينه وبين الخلوة، لم نسمع بها من قبل. وخلال أقل من شهر اتضح أن معظم ما كان يقال عن الاختلاط لا أصل له. والسؤال الذي يتبادر الى الذهن هو: من الذي أصدر أمراً بإخفاء هذا الكم من الأدلة والنصوص التي لا ترى في الاختلاط مشكلة، ولماذا قرر بعض المشايخ الأفاضل الاعتراف بها الآن؟ الإجابة عن هذا السؤال ستختصر علينا المسألة، وعوضاً عن بيع الفتاوى بنظام القطعة، والإفراج عن فتوى كل عشرين سنة، ربما نتفق على مشروع كامل وننهي إشكالات كثيرة. لا شك في أن قصتنا مع الاختلاط تشبه قصة بعض علماء الدين والدعاة مع اليهودي الذي كان جاراً لنبيّنا محمد (صلّى الله عليه وسلّم)، كما تروي كتب السير. والحكاية باختصار، اننا في الماضي لم نكن نسمع أو نقرأ، في خطب ومواعظ الدعاة، شيئاً عن هذا الجار، بل لم نكن نتخيل أن يسكن يهودي بالقرب من نبينا الكريم. لكن الحال تبدلت بعد ان تغيّر موقف بعضهم من مشروع السلام، وصار لا بد من الحديث عن التعايش مع اليهود، ولهذا أفرجوا عن سيرة جار نبينّا محمد (صلّى الله عليه وسلّم)، وأصبحوا يتحدثون عن بر رسولنا به وسؤاله عنه، وصار اليهودي هو حديث المدينة ماضياً وحاضراً، ونحن لا هّم لنا في الإذاعات والبرامج وخطب الجمعة إلا هذا اليهودي، وكأنه سكن للتو بالقرب من منزل نبيّنا الكريم. الأكيد أن العامل المشترك بين غياب قصة اليهودي وحضورها، وغياب أدلة ونصوص قضية الاختلاط، وظهورها في شكل مفاجئ، هو أن كلاً منهما تبدلت حاله، وشهد انفراجاً، وإن شئت أُفرج عنه، بعد قرار سياسي، أو تحرك سياسي.