أثارت العبارة التي أطلقها الشيخ/ عايض القرني، في وصف منتقدي قصيدته (لاإله إلا الله) التي شدا بها الفنان/ محمد عبده، ردود فعل عديدة، أحصيت منها ما يقرب من ثلاثين مقالة تراوحت ما بين الهادئ والعنيف، وكان من الممكن أن تمر (بائعة الفصفص)، كما مرت غيرها من آراء لا تعجبنا، غير أن الردود المنفعلة تحديدا التي صاحبت الحملة التي تعرض لها الداعية المثقف الشيخ/ عايض القرني دلت بوضوح على فراغنا، وهشاشة حراكنا الفكري، وعدم تقبلنا للرأي الآخر، وكنت أتمنى لو انبرى أولئك في الردود على وعاظ آخرين اتهموهم بالجهل والتغريب، والخوض فيما لا يحسنون وغيرها من النعوت التي لا تليق، وكنا سنقبل لو أنهم قد انبروا لمحاسبة أولئك الوعاظ الذين غرروا بشبابنا وألقوهم في (معمعة) الجهاد العبثي الذي جر علينا الويلات، أما أن تنال من داعية عرف عنه التسامح، والوسطية، والانفتاح على الآخرين، فذاك لا يجوز. أنا لا أعرف الشيخ عائض معرفة شخصية، ولم يسبق لي أن حضرت أي لقاء أو محاضرة له, غير أنني أقرأ له كثيرا، ويحدوني الأمل بأنه مع الشيخ سلمان العودة سيكونان دعامتين للفكر الإسلامي المستنير، الذي نبحث عنه لإرساء دعائم الوسطية الحقيقية التي ننشدها، ونراها الطريق السليم لانتشالنا من براثن التطرف، والغلو، والإقصاء، (ومحاربة طواحين الهواء). وفي ظني، أن تداول الكتاب لرأي الشيخ القرني، وبتلك الحدة يشي بوجود احتقان خفي بين تيارات فكرية معينة، وجاءت حكاية (بائعة الفصفص) فرصة لاتهامه بالعنصرية، والانتقاص من موهبته الشعرية، وكأنه رجل ملائكي لا ينبغي أن يخطئ، وليس بشراً ينزلق لسانه- في لحظة عفوية- فيطوح بما لا يروق للآخرين، خاصة وقد عُرف عنه روح الدعابة. مشكلتنا كمثقفين، أننا نريد أن نخرج للآخرين بوجه يختلف عن وجهنا الحقيقي المليء بالبثور، (فبائعة الفصفص) وصف عادي بجانب ما نطرحه في مجالسنا الخاصة من نعوت للآخرين، لديّ قناعة في أن الفقهاء والوعاظ الأدباء، هم أرق الناس قلوباً، وأكثرهم تسامحاً وانفتاحاً، ولولا ضيق المساحة لأوغلت في طرح بعض آرائهم في الدين والدنيا. ولا بد لي هنا، أن أشيد برد صديقنا القديم الأستاذ قينان الغامدي في (الوطن)، والذي جاء ليكشف لنا موهبة (أبي عبدالله)، في النظم، إلى جانب مهارته في الاحتكاك (القانوني)، الذي يؤلم، ولكنه لا يدمي أو يعرضه ل(الكرت الأحمر)! ولعل اعتذار الشيخ عائض القرني، شعرا ونثرا، قد أقفل الباب الذي لايحسن بنا فتحه مرة أخرى..!!