الانتخابات من أهم أدوات الحكم، ولنا نحن السعوديون تجارب معها منذ عقود، نجربها ثم ننصرف عنها، والأسباب عدة أهمها أنها أداة مثالية في "النظرية" غير محصنة في "التطبيق" مال لم تحمها المبادئ والتشريعات، يسهل اصطناعها والتأثير عليها بدخول عوامل المال والقبلية والتي تلغي مقاصدها وتشوهها. الثوريون العرب من حولنا شوهوها عندما جعلوها أداة للتسلط حتى عافتها النفوس، ولكن الأكثر إيلاماً وقبحاً هو عندما يشوهها المثقف المتعلم، مثلما حصل الأيام الماضية في انتخابات الغرفة التجارية بجدة، ولن تعود هيبتها وقيمتها إلا بمحاسبة من رشى وارتشى فيها حتى لو كان من الفائزين. يجب أن تعود لنا ثقتنا في الانتخابات التي لن يتفتق عقل الإنسان لاختيار ممثليه عن أفضل منها، فهي أساسية وحيوية في مشروع الوطن التنموي الكبير، فهي لن تقتصر على انتخابات الغرف التجارية بل سنلجأ إليها لاختيار مجالسنا البلدية بعد عامين والمحلية وحتى الشورى في يوم ما. وكلما أسأنا في استخدامها وشوه شروطها أصحاب المال والجاه بعدت عنا، وضاق بها المواطن قبل المسؤول. ليس سراً ما حصل في انتخابات غرفة جدة، كان شراء الأصوات وبيعها على المكشوف، بل حتى إنه صُور صحفياً، وأشيد هنا بحضور الزميلة الحياة من خلال مصورها البارع عامر الهلالي الذي رابط هناك لينقل لنا الصورة المفجعة، مرشح آخر كان يدور بين الناس وجيبه منتفخ بالمال ويوزع "الشرهات"، صورة لا تتفق مع عبارات الإدارة الحديثة والنزاهة والتنافسية التي تتردد في أصداء الغرفة. صاحب سجل يبحث عمن يسدد عنه اشتراكه علانية لكي يصوت له. لو قبلت وزارة التجارة بذلك، ومعها المباحث الإدارية وقبلهما المواطن لشرعنا الفساد وسينمو ويتلون في كل انتخابات قادمة. لابد من التحقيق والمحاسبة وإن لزم الأمر التشهير وإقصاء الراشين والمرتشين حتى لو فازوا. فالفساد الذي حصل في الغرفة التجارية ليس من اللمم الذي يجوز ستره – هذا المبدأ النبيل الذي نسيء استخدامه – إنه شراء ذمم، وشهادة زور ورشوة وكذب وخداع وكل ذلك من الكبائر التي تهدم الأوطان وتقدح في الأديان.