لا تنبئ دعوة صريحة هنا، أو شاطحة هناك، بقفل قنوات المجد الفضائية عن مجرد دعوات مبطنة لمصادرة التعددية الفكرية وحرية الرأي والتعبير، بل إن هذه الدعوات تصادر ما هو أهم: حرية الاختيار ومسألة التوازن في التغذية الفكرية الجمعية. من الخطأ تماماً أن يضيق الفضاء بأصوات هدفها الأول والأخير تحصين البنية الاجتماعية وإن اختلفنا حول وسائط الوصول لهذا الهدف، فيما لم نحرك ساكناً ضد عشرات القنوات الأخرى التي يظن ملاكها أننا مجرد حارة عربية للرقص أو أن آذاننا مجرد إسطوانات غنائية. الطريقة المثلى لتقويم الأفكار وتقييمها لا تكمن في الحجب والإلغاء والمصادرة، والبرهان، فإن كل فكرة متطرفة لم تستطع أن تلغي المقابل الضد لها في تاريخ الحراك الإنساني، أسرد لقنوات المجد ما تراه من خلل في البنية ولكن لا تصادر الهدف النبيل الذي اجتهدت من أجله وكانت هدفاً له. سأقول لها اليوم بكل وضوح ما لا أستحسنه. أولاً، فأنا لا ألمح فيها سياسة علمية مدروسة تحاكي التطرف، ومن بعده الإرهاب، بلغة حاسمة جازمة تستند إلى تفكيك معرفي للبنية الأساس في جسد الإرهاب، رغم أنها وللأمانة، قد وقفت مع المجتمع في جل الأحداث الإرهابية التي مرت به. هي إما أنها لم تستطع المغامرة بشعبيتها لأن الإعلام (المتخصص) لا يغامر في العادة بكل الأوراق كي يضمن الانتشار، أو أنها مثلنا جميعاً لا تمتلك الأدوات البنائية لزعزعة وهدم الأفكار الشاذة من حولنا بغير الاستنكار والشجب. ثانياً، لم أستسغ لأنني أحمل حساسية ضد استخدام اللفظ المحمود لأهداف مسمومة. نعم نحن بلاد الحرمين، وهذان الحرمان محور حياتنا، ولكن لنا اسم المملكة العربية السعودية ولا يظن أحدكم أنني أمارس تحريضاً على القناة ولن يقول بهذا إلا قراء النوايا، وهم في الأصل يقرؤون بنواياهم. ثالثاً، لماذا يبرهن الإعلام الإسلامي على حجر كتلته في زاوية لا تسمع غير متكلمي خطابه ولا تسمح لنفسها بالانتشار والانفتاح على كل الأطياف دون أن تتخلى عن الثوابت والمرجعية؟ والذي يحلل مجرد تكرار المفردة في قناة مثل المجد سيلمح بكل تأكيد أن القناة لا تخرج أبداً عن تكرار مجموعة من المفردات التي يمكن صفها في ثلاث ورقات على الأكثر. 500 كلمة طوال اليوم، وتكراراً في الشهر والعام لا يمكن لها أن تؤسس لمنظومة إعلامية فاعلة مؤثرة. ولأننا معها أصبحنا نحفظ هذه الكلمات عن ظهر قلب، أصبحنا بالضبط نعرف ماذا ستقول لنا هذه القناة حتى قبل أن يبدأ البث.