هل وصل الحال بالفقراء وأهل الدخل المحدود حد الحرمان حتى من أن يبقى الإمام المقرئ صاحب الصوت العذب في مساجدهم وأحيائهم، وهل كتب على هؤلاء الخشونة حد الحرمان من طلاوة صوت قرآني في الصلاة؟ يلفت نظري ذلك التحقيق المثير الذي قرأته يوم الأول من رمضان في صحيفة – شمس – عن بدايات ونهايات بعض الأئمة المشهورين في بعض المدن السعودية. وفي الغالب ابتدأ هؤلاء الأفاضل من الأصوات الجميلة في المساجد القديمة في جنوب المدن الكبرى بحسب التحقيق قبل أن يصبحوا اليوم أئمة المساجد الكبرى في نسق مماثل لموسم الهجرة إلى الشمال. وبالطبع يحدث هذا تحت ضغط وإغراء المال، وللإمام المقرئ كامل الحق، طالما أن المحسن الثري، صاحب المسجد، سيدفع للقارئ الرخيم الصوت ما يضمن مزيداً من الصفوف. حتى في الصلاة تنحاز الحياة للأغنياء. إنه الناموس الاجتماعي للصيحة الحديثة من هذه الحياة. يتزوج أبناء الأغنياء أجمل النساء حتى لو كان هؤلاء على عشر الوسامة. إنهم يتحايلون على الأخيرة بمزيد من الإتيكيت والأناقة. يحتل الأغنياء صدر المجالس ويشترون لقب الشيخ مثلما هم يشترون أيضاً كلمات الأغاني ومثلما هم أيضاً على النقيض يستطيعون أن يقنعوا فضيلة الشيخ بالهروب إلى مساجدهم من قلب مساجد الفقراء. حتى المدارس الحكومية تزداد اتساعاً في أحياء الشمال وحتى المعلمون الذين – يفتحون النفس – يتزاحمون على هذه المدارس. حتى مستشفيات الدولة تأخذ أماكنها هناك رغم أن الفيروس يلد في الغالب في الجنوب. خذ حتى هذه الحقيقة، حتى الجمعيات الخيرية ومؤسسات العمل التطوعي تحتل أماكنها في مدننا غالباً في شوارع الشمال، وبالطبع، لا كي تطعم الأغنياء وتكسوهم، بل كي تنقل كل ما زاد عند هؤلاء من فائض كسوة أو وليمة إلى أحياء الفقراء. هؤلاء يأكلون ما تبقى ولكن بعد ساعتين ويلبسون ما طابت منه الأنفس ولكن بعد شهرين. صار الفقراء آلة امتصاص لما زاد وفاض عند الأغنياء وصاروا أيضاً آلة تنفيس يهدئ بها الأغنياء عقدة الذنب التي قد تنتاب البعض منهم عندما يشعر بتأنيب ضمير على بطر أو خيلاء ليقول: عل هناك من جائع فيأكل أو عريان فيلبس.