على الرغم من أن الأرباح التي تحققها مواقع الإنترنت ما زالت ضئيلة، إلا أن هناك شهية واسعة لدى المستثمرين والإعلاميين لتأسيس مواقع جديدة على الإنترنت، على أمل أن تحتل مكانتها في الساحة وتجهز نفسها ليوم يتزايد فيه حجم الإعلان على الإنترنت (وخاصة أن هناك نموا سريعا للإقبال الإعلاني العربي على الإنترنت في السنوات الثلاث الأخيرة) وقد يأتي يوم تظهر فيه موارد أخرى للدخل مثل نمو التجارة الإلكترونية أو الارتباط بشركات الاتصالات أو شركات مقدمي خدمة الإنترنت وغير ذلك من الأفكار التي يتم تجريبها بشكل محدود هنا وهناك. أحد المغريات الأساسية للاستثمار في مواقع الإنترنت هو ما يبدو من انخفاض تكلفته مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى مع ما يبدو من سهولة تسويق مواقع الإنترنت، وهذا صحيح نسبيا، فموقع الإنترنت قد يكون أقل تكلفة من تأسيس صحيفة ورقية أو محطة تلفزيونية، ولكن المؤكد أن أيام التكلفة المنخفضة جدا التي لا تتجاوز الآلاف المعدودة لتأسيس المواقع الناجحة قد ذهب بلا رجعة، وأن تكلفة تأسيس مواقع الإنترنت ترتفع بشكل سريع، وذلك للأسباب التالية: صحيح أن تكلفة برمجة المواقع في تناقص وتوفر أكبر من السابق، إلا أن الرغبة في المنافسة تفرض على المواقع الاستفادة من عدد من التقنيات الجديدة في عالم الإنترنت، وهي تقنيات أعلى سعرا من غيرها. الزيادة الحقيقية تأتي في تكلفة الاستضافة لأن الاستضافة التي توفر الموقع دائما بسرعة جيدة وأمان عال صارت تصل إلى عشرات أو مئات ألوف الدولارات سنويا، وخاصة إذا تضمن الموقع فيديوهات أو كان لديه عدد كبير من الزوار. اجتذاب الإعلان صارت له تكلفة تقنية مع الاحتياج لأنظمة إدارة الإعلان (مثل نظام DoubleClick) التي تتجاوز تكلفتها للموقع الذي لديه عدد كبير من الزوار أكثر من 100 ألف دولار، كما أن المعلنين يطلبون اليوم أن يكون لديك نظام جيد للإحصاءات وارتباط بشركات عالمية مستقلة لمراقبة أرقام الإحصاءات (مثل شركة ABCe)، ومثل هذا الارتباط يكلف بضع عشرات الدولارات سنويا كذلك. الزيادة الحقيقة في تكلفة مواقع الإنترنت تأتي اليوم من التسويق، ففي خضم مئات المواقع العربية الكبرى التي تتنافس على تحقيق أكبر عدد من الزيارات، ينمو هناك تحد أساسي في تعريف الجمهور الذي تعود على مواقع معينة بمواقع جديدة يضمها إلى عادات التصفح اليومية لديه. واحد من أهم أساليب التسويق للمواقع الجديدة هو الإعلان على المواقع الأخرى والذي تزداد تكلفته كذلك كما قلت فاعليته مقارنة بالسابق مع إحساس الجمهور بأن هناك عددا كبيرا من الإعلانات على المواقع التي يزورونها مما يقلل انتباههم للإعلانات عموما. هذا العامل الأساسي في زيادة تكلفة الاستثمار في المواقع يهمله الكثير من الناس عند تقييمهم لفكرة بناء موقع معين، والذين يظنون للوهلة الأولى أن مجرد وجود الموقع متاحا لدى أصابع ملايين المستخدمين العرب وكونه موقعا مميزا سيكفل له الجمهور على كل حال، وهذا افتراض خاطئ بكل ما تعنيه الكلمة، وكان سببا في فشل الكثير من المواقع التي اجتذبت استثمارات كبيرة على الإنترنت في العالم العربي. على الرغم من ذلك كله فإن الوقت لا يزال مواتيا للاستثمار على الإنترنت، فالمواقع المميزة والناجحة ما زالت قليلة وخاصة إذا خرجنا عن إطار المواقع الإخبارية والصحافية، فمثلا لا يوجد حاليا على الإنترنت أي موقع كوميدي مميز ومتفوق وما زالت الفرصة متاحة لمن يريد أن يغزو هذا المجال. خلال سنوات قليلة جدا قد لا تتجاوز أربع أو خمس سنوات سيصبح الاستثمار على الإنترنت مكلفا جدا مع تأسيس المواقع لمكانتها لدى الجمهور، وسترتفع تكلفة التسويق، كما سترتفع تكلفة الاستفادة من المهارات المميزة في عالم الإنترنت، ولذا فإن وقت تأسيس المواقع الجديدة هو هذا العام أو العام المقبل وخاصة أن بناء تحالفات عالمية يبدو حاليا أسهل من أي وقت مضى بسبب الأزمة العالمية. أحد العوامل الأساسية التي يجب أن ينتبه إليها كل من يريد تأسيس موقع جديد هو الفكرة الجيدة التي يمكنها المنافسة على المدى الطويل مع المواقع الأخرى والتي لا يمكن تقليدها بسهولة، ويمكن مع ذلك توفير المحتوى المتجدد يوميا لها. هذا هو التحدي الصعب، وهو سؤال المليون دولار –كما يقال- لأن من توافرت له الفكرة والميزانية صار طريقه معبدا إلى الاستيلاء على حصة من كعكة الإنترنت العربية، وذلك قبل أن يفوت الأوان..!