منذ أكثر من عقد من الزمن وحتى الآن، كان الاستثمار في الإنترنت أمراً جذاباً في مختلف أنحاء العالم؛ وذلك ببساطة لأن شبكة الإنترنت أثبتت أنها تتحول بسرعة هائلة إلى جزء أساسي من حياة الناس، وبديل عن كثير من الأشياء والتكنولوجيات وعادات الاستهلاك التي كانت منتشرة قبل الإنترنت. هذه الجاذبية زادت في الفترة الأخيرة بسبب النمو السريع في حجم ميزانيات الإعلان على الإنترنت في العالم العربي، وهناك أرقام متفاوتة لحجم الإعلان الإلكتروني العربي، ولكن الأرقام التي سأذكرها هنا هي في رأيي وبناء على اتصالاتي مع الشركات والوكالات الإعلانية هي الأقرب إلى الصواب، حيث يتوقع أن يكون هناك إنفاق على الإعلان الإلكتروني بحدود 224 مليون دولار خلال 2012م في مختلف دول العالم العربي، وأن يتزايد هذا الإنفاق بنسبة تصل إلى 40% سنوياً ليصبح في عام 2015م حوالى 615 مليون دولار. الزيادة المتوقعة هي رقم معتدل وليس مبالغاً فيه لأن نسبة الإنفاق الإعلاني الإلكتروني في العالم العربي تصل إلى 12% مقارنة بحجم ميزانيات الإعلان بشكل عام، بينما المعدل العالمي يصل إلى حوالى 25%. هناك أيضاً زيادة حقيقية وضخمة في التجارة الإلكترونية عربياً مع الزيادات السريعة في نسب استخدام بطاقات الائتمان ووجود بنية تحتية لتسليم البضائع للعملاء في منازلهم، وهناك أيضاً زيادة بنسب نمو عالية جداً (مقارنة بالمعدلات العالمية) في انتشار الإنترنت السريع (البروباند)، وفي إنشاء مواقع الإنترنت التي تغطي جميع احتياجات الجمهور العربي.كل هذا يجعل الاستثمار في مواقع الإنترنت مغرياً لرجال الأعمال، وهو يبرر الإقبال الحاصل في العامين الأخيرين، ولكن هناك عدداً من المحظورات التي ينبغي وضعها في الاعتبار قبل اتخاذ قرار الاستثمار في مواقع الإنترنت، ومنها: • المستقبل مقبل لا محالة. هناك دراسات مستقبلية حول تطور التكنولوجيا، وهذه الدراسات أثبتت مصداقيتها عبر السنوات، والاطلاع على هذه الدراسات مهم لأن إقبال الجمهور على استخدام الإنترنت على الموبايل (على سبيل المثال) له آثاره على كثير من الأفكار، التي تجعلها مغرية أو غير مناسبة للاستثمار. • الفكرة هي أساس النجاح. كل المواقع المميزة في أنحاء العالم نجحت لأن لديها فكرة مميزة وجديدة، ولعل الصعوبة في الموضوع أن الفكرة يجب أن تكون قادرة في النهاية على اجتذاب الجمهور، ونحن نعرف أن الجمهور يحتاج للأفكار البسيطة حتى يستطيع التفاعل معها، ولكن هذه الأفكار البسيطة يجب أن تكون خلاقة ومبدعة وتأسر اهتمام شعوب الإنترنت. لا تستثمر في فكرة معقدة، واحذر من الاستثمار في الفكرة التقليدية. • العملة الأساسية هي عدد الزيارات. الموقع الناجح هو الموقع الذي يستطيع في النهاية تحقيق عدد كبير من الزيارات، وهذا العدد يتحول في النهاية إلى إعلان أو مبيعات أو غيره، ولكن الموقع مهما كان جميلاً وذكياً، إذا كان يخاطب فئات متخصصة من الجمهور ولا يستطيع الوصول إلى العموم فهو معرض لخطر الزيارات القليلة. هناك من سيقول لك إن الجمهور المتخصص له المعلن الذي سيرغب فيه، ولكن البراهين على هذا من الناحية العملية ما زالت محدودة جداً. المعلن ما زال يبحث عن الجماهير وليس النخب. • سيقلدونك غداً. إذا كانت الفكرة جديدة وجميلة ولكن يمكن تقليدها ببساطة، فتجنب الاستثمار فيها لأن هناك من سيقلدك في اليوم التالي. يجب أن تجد أفكاراً يصعب تقليدها، وتستطيع في فترة بسيطة أن تثبت أقدامها في وجه المنافسين المحتملين. • ادرس الافتراضات. كل مشروع جديد له مجموعة من الافتراضات التي يقوم عليها التي تجعل من نجاحه أمراً ممكناً. ادرس هذه الافتراضات بتأمل، وابحث عن المعلومات التي تدعمها. إن افتراض أن الجمهور سيأتي بإقبال كبير على فكرة لمجرد أنك تحبها هو افتراض خاطئ، فالناس متنوعون جداً وما نعرفه بناء على خياراتنا وخيارات الناس من حولنا لا يكفي لصناعة قرار استثماري. لا أستطيع أن أخفي سعادتي بالإقبال الكبير على الاستثمار في مواقع الإنترنت، فهو ما كان الكثيرون ينتظرونه ويبشرون به لسنوات طويلة، ولكنني أخاف من «الركض» نحو الاستثمار بدون تعمق، لأن قصص الفشل تغطي على قصص النجاح، وإذا كثرت قصص الفشل، سيظهر للسطح فجأة رأي يقول إن الاستثمار في الإنترنت مجرد «فقاعة»، وهو أمر ينبغي أن نعمل جميعاً على تجنبه.