فهد إبراهيم الدغيثر * الوطن السعودية يقول الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: «ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون». يستغرب المرء من تنامي عدد التصنيفات الجديدة التي يتم تداولها في داخل المجتمع السعودي المسلم. البعض يتم نعته بالليبرالي والآخر بالعلماني وهناك اليساري والعروبي والمتشدد والتكفيري والصحوي والجامي إلى آخر هذه الأسماء التي أعتبرها جديدة على مجتمعنا. وفيما عدا التكفيري الذي يلجأ إلى العنف أو التحريض عليه وعلى سفك الدماء البريئة وهذا يصنف بالمجرم الخائن وليس أكثر، فإن البقية برأيي مجرد أفراد سعوديين تغلب على تصرفاتهم العفوية ويجب إحسان الظن بهم وتوجيههم نحو الأفضل. لو بحثنا عن الأسباب التي أتت بمثل هذه التصنيفات وكيف وجدت المناخ المناسب لها في مجتمع فتي وحديث ومسلم محافظ كمجتعنا في المملكة فإن السبب الرئيسي برأيي هو غياب التنمية الشاملة وغياب الروح التنافسية بين الطبقات العاملة في المجتمع. فبينما لا يوجد في المجتمعات الصناعية المتقدمة أي ذكر لمثل هذه التصنيفات وبالكاد تقرأ أو تسمع عنها، نجد في المجتمعات الكسولة العاطلة أن لا حديث غير حديث التصنيف وتعليب التهم وانتشار النميمة وتكرار القال والقيل الذي يؤصل مقولة «يقولون». فالفاضي يأتي بالعجب العجاب ومن لا يجد ما يشغله فهو حتماً سيبحث عن الجديد حتى لو أتى هذا الجديد ليشق الصف ويسبب التناحر والتشرذم وإلقاء التهم والدخول في النوايا وبث روح العداء. الإنسان بطبعه يبحث عن الإبداع حتى لو أتى هذا الإبداع سيئاً ويؤدي إلى نتائج سلبية. هذا ما يزعج في الأمر، فلو أن الإنسان يصاب بالاكتئاب عندما لا يجد أمامه إلا الفراغ لكان أفضل، إذ يمكننا عندها البحث عن الحلول العملية وخلق الفرص المفيدة له، لكن أن نمضي في إشغال العقل وضياع الوقت واستغلال هذا الفراغ في تناحرات بين هذه الفئة وتلك يليها تنابز بالألقاب وبحث عن أي انتصار فهذه هي الكارثة. معنى ذلك أننا منشغلون بمهمة ولسنا عاطلين وقد ننشئ من ورائنا أجيالاً جديدة و»كسولة» تتبنى هذا النهج وتمنحه صفة الاستمرار مع المزيد من استخدام وسائل الاتصال المتطورة، وهذا في الواقع يحدث أمامنا اليوم. فبدلاً من تسخير التكنولوجيا لخدمة العلم والارتقاء بقدرات الجيل المعاصر من الشباب استعدادا لتحديات المستقبل نجد أن عدداً لا بأس به من هذا الجيل أخذ على عاتقه وباستخدام هائل لهذه التكنولوجيا الانضمام إلى جوقة هذه الفرق المتناحرة ودخل في معمعة هذه الصراعات وبدأ البحث عن الانتصارات الوهمية التي ستشعره بحصوله على المنجز الشخصي المفقود. وللاستدلال، لا أجد صورة لهذا الوضع الغريب والمضر أوضح من واقعتين حدثتا قريبا. الأولى تمثلت في صورة الوزير القصيبي الذي ارتدى قبعة الطهي مرتين وفي مناسبتين متشابهتين عندما زار بعض المطاعم وقدم الطعام للزبائن. هو فعل ذلك من أجل شحذ همم الشباب في أوقات العطل لإشغال وقتهم في العمل المستقطع بدلاً من النوم. ما إن خرجت وسائل الإعلام بتغطية هذه الزيارات ونشر الصور التي تم التقاطها لمعاليه حتى انهارت من جديد مفردات الشماتة والتصنيف ولذلك، وبصرف النظر عن الفكرة السامية والرائعة التي طالب الوزير بها الشباب، انبرت بعض الأقلام للنيل من معاليه متناسين تماماً الفكرة. والثانية عندما بادرت فرقة من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بتقديم الحلوى ومشاركة المواطنين فرحتهم في المنطقة الشرقية خلال أحد الأعياد الماضية. فقد أظهرت الصحف صور لهؤلاء الأعضاء وهم فرحون مبتسمون وينثرون الحلوى على الأطفال، لكن ما هي إلا لحظات حتى انبرت بعض الأقلام للنيل من هذه المبادرة الاجتماعية الجميلة والدخول في نوايا رجال الهيئة وإقصائهم تماماً من أي هدف نبيل كانوا يسعون له. في كلتا الحالتين ضاعت الأفكار الرائعة هنا وهناك وبقيت الخصومة والبحث عن انتصار هذا الفريق على الآخر هي سيدة الموقف. أعود وأكرر مجدداً، لنبتعد عن هذه المستنقعات وننطلق إلى ساحات الوظيفة والعمل ونتنافس في تقديم ما ينفع أنفسنا ويعزز خبرات الشباب لدينا بدلاً من التنافس فيما يشق الصف ويشتت الجهود. لنعمل وننتج ونحفز المبدعين ونمنحهم الجوائز التقديرية مهما كانت تلك الوظائف التي يؤدونها صغيرة وبسيطة. لو فعلنا ذلك وصممنا عليه لأصبحت هذه التصنيفات وفي القريب العاجل جداً حديثاً من الماضي.