عبدالعزيز محمد قاسم - الوطن السعودية وقفت طويلا أمام القصة الإنسانية التي قرأتها للمواطن سعود القحطاني، والذي عبَر بنا في سرد مؤلم بقصة طفله يوسف ذي الثمان سنوات وأخته وصايف ذات الست سنوات وقد انتهى بهما المطاف في الجبال الوعرة باليمن. يحكي الرجل لزميلنا لطفي عبداللطيف بصحيفة المدينة( الثلاثاء 14 يوليو 2009) قصته مع طليقته وفاء الشهري،أم ابنه يوسف، والتي كانت على درجة من التدين، ولم يستطع الزوجان التأقلم مع بعضهما فطلبت منه الطلاق، وتزوجت برجل آخر هو عبدالرحمن الغامدي وأنجبت بنتا منه أسمتها وصايف. ويقضي زوجها الثاني في أحداث أمنية عام 2004م، فيما كان صاحبنا القحطاني يتابع ابنه ويطالب بحضانته، غير أن حماته التي يكنّ لها تقديرا ويحمل لها في نفسه مكانة كبيرة، تلحّ عليه أن يبقى يوسف في معية والدته وفاء، فيضطر الرجل أمام مكانتها أن يوافق. حتى تزوجت وفاء من سعيد الشهري وكان أحد العائدين من جوانتانامو. يحكي القحطاني، بكل فجيعة الأب المكلوم بفقد ابنه، أن زوجته استغلت يوم الغبار الذي دهم العاصمة السعودية قبل بضعة أشهر، وهربت بطفليها يوسف ووصايف، وعبثا حاول الرجل البحث عنها، وأبلغ الجهات الأمنية التي قامت بدورها بالبحث عن المرأة والطفلين دون جدوى، حتى تلقى أهلها اتصالا منها تخبرهم بأنها في اليمن، وأنها لحقت بالتنظيم الكريه في تلك الجبال الوعرة. القحطاني في حالة صدمة عنيفة، ويتمزق كل آن، وقتما يتذكر أن ابنه الذي هو من صلبه سيترعرع في تلك البيئة القاسية ويتشرب فكرا منحرفا، وتتلوث فطرته بأفعال تلك الطغمة الفاسدة. ويصور في الحوار الذي أجري معه نفسيته، وكيف أنه يهرع إلى الهاتف كلما رنّ ،علّ خبرا عن ولده يأتيه. فيما حال أسرة الغامدي لا تقل عنه سوءا ،وهم يتحسرون على زهرتهم البريئة وصايف ذات الست سنوات، ويصفقون بأياديهم على تلك الأم التي انعدم ضميرها وتخلت عن مشاعرها لتغرّب أطفالها في تلك الجبال المقفرة والأودية السحيقة. أوردت هذه القصة ببعض تفاصيلها لأشير إلى أن الفكر المتطرف يستهدف النساء أيضا في وطني، وهذه المرأة المتطرفة كان مؤهلها الكفاءة المتوسطة، وتلقفت هذا الفكر وتشربته. وهي فرصة أيضا لأردّ بها على الزميل تركي الدخيل وقد سخر في الأسبوع الماضي من قرار وزارة الشؤون الإسلامية، بتخصيص نساء للدعوة إلى الله، وتهكم –غفر الله له- وهو يورد أمثلة ساخرة وكاريكاتيرية في مقاله. برأيي أن الوزارة تشكر يا أبا عبدالله للاهتمام بالجانب النسائي، بل أعتبر أن هذه الخطوة منها قد تأخرت، فنصف المجتمع لدينا يحتاج إلى التوعية الوسطية المباشرة،وقد دهمتنا الفضائيات بنوازلها، واخترقت بيوتنا بالطول والعرض، ببرامج هي مضادة بالكامل لقيمنا الإسلامية المحافظة التي نفاخر بها العالم. وباتت نساؤنا وفتياتنا- تحديدا- هدفا لها. وتلمسنا بوادر انفلات قيمي من فئة بسيطة منهن. في حين أن فئة المتطرفات من أمثال وفاء الشهري، التي تحول اسمها إلى أم هاجر الأزدي، يحتجن إلى نصح مباشر وإرشاد من لدن متخصصات يفككن لها الشبهات. ولن نقضي – أو نحجّم على الأدق - الفكر المتطرف إلا بالمنهج السلفي الذي عليه علماء هذه البلاد. وأؤكد لك – وأنا أحد المهتمين بملف الإرهاب- أن أقوى ما وُجه به فكر الإرهاب والتطرف أو السلفية الجهادية بحسب المتخصصين المحايدين هو نصوص وأدبيات المدرسة السلفية التي عليها علماء هذه البلاد. ولذلك كان لجهود علمائنا الكبيرة وعلى رأسهم سماحة الوالد مفتي عام المملكة وثلة من العلماء الذين معه أثر كبير في تفكيك هذا الفكر القاعدي بهذا الوطن الساكن في أعيننا. وتأكيدا تعلم أخي تركي بأن أولى خطوات التغرير بالشباب الذي يقوم به رموز هذا الفكر البائس هو التشكيك بعلمائنا الغرر، ورميهم بتهم البعد عن الواقع وأنهم علماء سلطة، لمعرفتهم الأكيدة بأثر وقوة حجج علمائنا في تفنيد الفكر المتطرف. وان كان الدخيل احتج بأن ثمة خطباء لا نزال نعاني منهم، فأهمس له بأن الوزارة قد قامت بفصل الآلاف من خطباء المنابر ممن لم يلتزموا خطة الوزارة خلال السنوات القليلة الماضية، وما زالت مستمرة في متابعة الكثيرين، فضلا عن أن هذه الحجة تسقط، لأن الوزير الدؤوب جاء للوزارة وورث كل تلك التركة، أما تعيين النساء الداعيات فسيتم وفق ضوابط صارمة، ولمن يحملن النهج الوسطي لقادة هذه البلاد وعلمائها. المجتمع بحاجة يا وزير الشؤون الإسلامية إلى هذه الخطوة الرائدة منك، لتفعيل جانب المرأة في الدعوة إلى الله بمجتمعنا، وإعطاء الفرصة لآلاف الأخوات للقيام بأدوارهن المثلى في بث روح الفضيلة، وغرس قيمنا المحافظة،وتفكيك شبه المتطرفين، وتعليم النساء أمور دينهن، فثمة أمور لا تفهمها المرأة إلا من المرأة.