بدرية البشر * الحياة اللندنية بثت إحدى الوكالات خبراً يقول بأن الروائي السوري حنا مينة، الذي لا يمتهن سوى الكتابة منذ نصف قرن، تجرأ وطلب مقابلاً مالياً لإجراء حوار معه، وزادت الوكالة في نقدها لما وصفته بالغرابة: أن الروائي طلب مبلغاً بالعملة الأجنبية، على اعتبار أنه لو طلبه بالعملة السورية لكان الأمر ربما أخف وطأة. هذا هو بالضبط الفارق الكبير بين المؤسسة العربية الثقافية، والغربية، فالأولى لا تعتبر قيمة للمثقف أو المبدع من جهة، ومن جهة أخرى تستهلكه لأغراض دعائية، وتلمع به واجهتها لتكتسب هي القيمة، وهي تروج أن الإبداع ليس له قيمة وليس فاعلاً ولا مؤثراً بين الناس، وأنه بدون المؤسسة الرسمية لا قيمة له لكنها تطلبه حين تريد أن تكتسب القيمة، بينما المؤسسة الثقافية الغربية تضبطها معايير هي جوهر وشرط بقائها، أهمها أنها تعتبر الثقافة سلعة لها قيمة، فتشتري الجيد منها، كما تعتبر أن الإبداع ظاهرة مستقلة ووجوده ليس مرهوناً بوجودها بل العكس صحيح. وهذا ما يرفع من شأنها أمام الجمهور. في المهرجان الدولي للآداب، الذي أقيم في دبي بالتعاون مع عدة مؤسسات ثقافية، صُدم الحضورالعربي حين وجد أن المهرجان يبيع تذاكر لحضور فعالياته، تدفع 35 درهماً للاستماع لجوليا غلاس ومارجرديت ميد، أو ثلاثون درهماً للاستماع لإبراهيم الكوني أو الخميسي، صُدمت العقلية العربية بمفهوم تسليع الثقافة، إلى أنها لم تجد خيراً من أن تصمت حين شاهدت طوابير من البشر تقف ساعتين لتحظى بتوقيع كاتب أجنبي، بينما لا يقف أمام طابور الكاتب العربي سوى بعض أصدقائه المهذبين، وجماعته التي جاءت «حتى لا يشره عليهم». أما في معرض أبوظبي للكتاب الذي يديره طاقم معرض كتاب فرانكفورات، فقد فوجئت أثناء مشاركتي بندوة فيه، بمديرة المعرض بعد نهاية الندوة وهي تمد لي ظرفاً، فتحته فوجدت فيه نقوداً باليورو، «لاحظوا باليورو». نحن في المؤسسة العربية ندعي أننا نحتقر النقود، لكن لا أحد من مسؤوليها يخرج من بيته ويعمل طوال النهار دون مقابل، بالمناسبة شاهدت في الغرب رؤساء ومدراء يعملون في مهرجانات ثقافية بالمجان، وحين يأتي كاتب لم يعرف طول عمره غير الكتابة، المفترض أن لا يطلب مقابلاً مالياً بل يُعرض عليه، لأنها تصبح معيبة في حقه، أنا أيضاً كنت سأعيب على حنا مينة فعلته لو كانوا يعاملونه في سوريا كما بيكاسو في باريس، إذ كان يدفع لصاحب المطعم الفرنسي الذي كان يأكل فيه ويدعو رفاقه للعشاء معه، رسوماً وخربشات، وكان صاحب المطعم يفرح بها، ويحتفظ بها، وقد باعها بعد مائة عام من موت بيكاسو بمئات الآلآف.