يا وزير التربية والتعليم.. تكلم حتى نراك عبدالله ناصر الفوزان - "الوطن" السعودية في أغلب الدول العربية لا تستطيع أن تتوقع مستوى أداء الوزير الجديد من خلال تاريخه قبل الوزارة، فما أكثر الوزراء الذين كانوا دعاة تسامح وانفتاح فتحولوا بعد التوزير إلى أدوات تشدد وانغلاق... أو كانوا دعاة حق وعدل فأصبحوا زبانية ظلم وحراس باطل... أو كانوا عروبيين ف(تصهينوا)... أو كانوا ينظمون الأشعار في النزاهة والطهارة والإخلاص ف(تلصلصوا)... أو كانوا يلبسون عباءات بيضا فخلعوها وارتدوا عباءات أكثر سواداً من لون الغراب... ولذا فلكي نحكم على الوزير الجديد فلابد أن نقلب صفحة ونفتح صفحة أخرى ونسجل في الصفحة الجديدة ما يقول وما يفعل، ومن خلال ذلك نحكم له أو عليه. والتغييرات الوزارية الأخيرة بما فيها التغيير في وزارة التربية والتعليم لم تأت اعتباطاً، ولم تكن لمجرد التغيير، بل ولم تكن – بالنسبة للتربية بالذات – لمجرد تغيير الدماء، بل لابد أن التغيير كان بسبب جوهري، ولتحقيق أهداف جوهرية... هذا أمر لا شك فيه في رأيي... كما أنه لاشك أيضاً أن اختيار الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد آل سعود من قبل القيادة ليكون وزيراً للتربية والتعليم قد جاء اقتناعاً بأنه الشخص المناسب للمكان المناسب في الوقت المناسب، أي تم اختياره اقتناعاً بأنه القادر على تحقيق تلك الأهداف الجوهرية. هذا أمر واضح بالنسبة لي.. ولكن لا يعني هذا أن نركن إلى ذلك ونستنتج منه مسبقاً أن الأداء سيكون وفق التطلعات، فقد يكون الوزير على مستوى المأمول منه وقد لا يكون كذلك، ولهذا فلابد أن نترك كل تلك الاعتبارات ونتجه لأقوال الوزير وأفعاله لنصدر الحكم له أو عليه. بالنسبة للأفعال مازال الوقت مبكراً لرصدها والبدء في إصدار الأحكام اعتماداً عليها... أما الأقوال فالمفروض أن تكون مرحلتها قد بدأت من اليوم الأول للتعيين، ولذلك فمنذ الأسبوع الأول لتعيين الأمير فيصل وأنا أحاول أن أجد له أقوالاً تمكنني من تكوين بعض الانطباع عما سيفعله في المستقبل... وقد مضى الآن ما يقارب الأربعة أشهر لم أطلع خلالها إلا على أقوال عامة لا تفصح عن اتجاه مميز يعبر عن رؤية واضحة، فالأمير في أقواله التي قرأتها يؤكد على أهمية التعليم وكونه مسؤولية كبرى، ويفصح عن أنه سيكمل مسيرة من سبقوه، وقال إن الوزارة تدرس بعض المشاريع التي تخدم العملية التعليمية والارتقاء بالخدمات المقدمة لمنسوبي الوزارة ضمن خطة مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، كما قرأت أن الوزارة قامت باستطلاع واسع لمعرفة وجهات النظر وأنه تم وضع مسودة للتوجهات المستقبلية للوزارة ستتم مناقشتها، كما يتم إعادة النظر في الهيكل التنظيمي... وكل هذا الكلام لا يمكن أن يعطينا التصور المطلوب عن اتجاهات الوزير. الكلام الذي كنت ومازالت أتطلع إليه هو ذلك الذي يصدر من الوزير نفسه يحدد فيه فلسفته ورؤيته الشخصية عن واقع التعليم الذي يتطلع إليه ويسعى لتحقيقه... أي ذلك الواقع الذي لم يكن متحققاً وكان عدم تحققه سبباً في التغيير الوزاري وتم اختياره وزيراً للتوسم فيه بأنه الشخص القادر على تحقيقه، وهذا لا يعني أني أعتبر أن الأقوال تقود حتماً إلى الأفعال، فهناك قبله من تكلموا كلاماً كثيراً لو تمت ترجمة القليل منه إلى أفعال لكنا الآن في حال تعليمي أفضل... فالأقوال قد تبقى مجرد أقوال ويعجز أصحابها عن ترجمتها إلى أفعال لأسباب كثيرة... نعم... الأقوال قد لا تؤدي إلى أفعال... ولكنها الخطوة الأولى للاتجاه إلى الأفعال ومن هنا تأتي أهميتها لأنها تعبر عن النوايا والاتجاه العام. إني لا أستطيع الآن أن أطالب الأمير فيصل بالأفعال التي تطلع إليها صاحب إرادة التغيير الوزاري، فالوقت مازال مبكراً، ولكني أستطيع أن أطالبه بالأقوال التي تطمئن إلى أنه سائر ليحقق تلك الأفعال، وقد مضى الآن وقت طويل دون أن أسمع تلك الأقوال. الوزير الجديد لأي وزارة وفي أي بلد مهما تميزت أفعاله وأقواله السابقة، ونصع تاريخه، فلا يمكن أن يراه الناس في منصبه الجديد عبر ذلك التاريخ السابق، ولا يمكن أن يروه عبر صوره وحضوره المناسبات، ولا حتى عبر أقواله العامة، أو مسيرته في ركب من قبله حتى لو ظل على دربهم عشرات السنين... بل يمكن رؤيته فقط من خلال أفعاله وأقواله التي تميزه عن غيره التي تبرزه كوزير أصيل لا نسخة كربونية لغيره... وحتى الآن... وبصراحة لم أقرأ أو أسمع عن الأمير فيصل ما يميزه عن غيره... ولذلك فإني لا أراه... فتكلم يا أخي الأمير فيصل حتى نراك.