مشكلة الأجهزة الحساسة في وزارة التربية والتعليم أنها تفتقد للرؤية، ولا تثمن أنها في وزارة كبيرة ولديها مشاكل كبيرة لكونها تفتقر للإدارة المتمكنة توقفت منذ فترة طويلة عن الكتابة حول التعليم بكل مستوياته وأنواعه، فقد فقدت الأمل في الاصلاح والتطوير عند بعض الإدارات التنفيذية في هذا القطاع، وعندما قرأت أرقام الميزانية المخصصة لهذا القطاع المهم ضربت كفا بكف وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، أكثر من 200 مليار ريال تصرف عليه دون وجود تعليم حقيقي يحل مشكلة البطالة، ويوفر الموارد البشرية اللازمة التي تحتاجها بلادنا. ميزانية التعليم في بلادنا تضاهي ميزانية ثلاث أو اربع دول عربية مجتمعة لديها نظم تعليم متطورة فنحن ننفق بسخاء دون أن نحصل على قيمة ما ننفق عليه، وهذا فيه خسارة وتبديد للموارد التي يجب أن نحفظها للأجيال القادمة. المتابع لحالة التعليم في بلادنا سوف يجد أنه عبارة عن سلسلة من الفقاعات التي تبدأ كبيرة والكل يراها ويسمع عنها ثم تختفي في الهواء وكأنها لم تكن، والمثير للعجب هو أن لا أحد يسأل أين ذهبت الفقاعة. دعوني أذكر لكم إحدى الفقاعات التي خرج بها أحد كبار المسؤولين في التعليم قبل أكثر من عشرة أعوام حيث أكد أنه اجتمع إلى رجال الأعمال وقرروا أن يتم تحويل التعليم الثانوي إلى تعليم يعتمد على التدريب والتأهيل Vocational Education ومرت السنوات وتغير المسؤول، وأتى بعده آخر وتغير ولم يتحرك أحد ساكن. أذكر أنني علقت على هذا الخبر في حينه وفي هذه الصحيفة وأكدت على أن الجهات التنفيذية المسؤولة في الوزارة لا تعبأ بمثل هذه الافكار. مشكلة الأجهزة الحساسة في وزارة التربية والتعليم أنها تفتقد للرؤية، ولا تثمن أنها في وزارة كبيرة ولديها مشاكل كبيرة لكونها تفتقر للإدارة المتمكنة، حيث يدير بعض جهاتها المواجهة تقليديون يتعاملون مع التعليم "كسلعة" و "كإجراءات" وليس كعملية ابداعية متجددة ومتحولة ويجب أن تتفاعل مع المستجدات سواء الداخلية أو العالمية. كل هذا هين أمام الأخطاء البسيطة وغير المبررة التي تقع فيها وهي تمثل "رمز التعليم" في بلادنا، فعندما قرأت أن شعار الوزارة الجديد سيكلف الدولة 48 مليون ريال لم أصدق واعتبرتها مزحة، فماذا سيقدم لنا هذا الشعار والحقيقة أنا من الذين يحنون إلى القديم ومازلت أحن لشعار الخطوط السعودية القديم وأراه افضل من الشعار الجديد، ولم أجد مثلا شعار المؤسسات في الدول الأوربية قد تغير لأنه أصبح الرسم على الكمبيوتر أسهل وصار من الممكن تطوير شعارات "مبهرة" دون معنى حقيقي وراءها. قلت في نفسي أنها "موضة" تغيير الشعارات مع أنني كنت أتمنى أن تكون موضة تغيير "الرؤى" و"الفلسفات" على كل حال قلت "ماشي الحال" لكن عندما قرأت خبر وجود أخطاء في الاملاء في شعار وزارة التربية والتعليم الجديد وأن مسئوولي الوزارة لم يتنبهوا لها، وأن أحد الطلاب هو الذي اكتشفها قلت نحن فعلا في أزمة تعليم، وعندما خرج المتحدث الرسمي للوزارة وقال إن الاخطاء فعلا موجودة وأن هذا لا يغير المضمون قلت إننا في زمن فقد فيه معنى القول المأثور "عذر أقبح من ذنب". كيف بربكم مؤسسة مثل وزارة التربية والتعليم تخطئ في الإملاء في شعارها، يبدو أن بعض المسؤولين في الوزارة بحاجة إلى درس في الاملاء، كيف يمكن أن أثق أن هذه الوزارة لديها معايير جودة في التعليم وهي لم تستطع اكتشاف الاخطاء في شعارها، وكيف استطاع متحدثها الرسمي أن يخرج علينا بهذه التصاريح ويستخف بعقول الناس. أننا نعيش ازمة تعليم وأزمة "من أمن العقاب". أزيدكم من الشعر بيتاً فقد بعث لي أحدهم بصورة عبر الانترنت يبين فيها أن شعار وزارة التربية والتعليم الجديد مسروق من شعار ماركة بنطلونات جينز، فإذا صحت الصورة التي وصلتني (وأنا هنا لست متأكدا من صحتها لكنها موجودة على أي حال) فإن هذا يدل على مستوى الجودة والرقابة التي تتبعها الوزارة في جميع أعمالها. ومع ذلك دعونا من هذه التفاصيل البسيطة التي قد يراها البعض أنها لا تمس جوهر عمل الوزارة، وأنا أوافقهم الرأي لو أن الوزارة عملت أي خطوة لتطوير التعليم فقد وضعت ميزانية لهذا التطوير بلغت 8 مليارات ريال منذ عدة سنوات ولم نرَ أي تطوير، أي ان التعليم "على طمام المرحوم" محلك سر هذا إذا لم يتراجع إلى الوراء. لعلي أسأل هنا: هل قامت الوزارة بعمل استفتاء حول شعارها القديم وهل سألت معلميها وطلابها وافراد المجتمع حول ذلك الشعار أم أنه مجرد "نزوة شخصية" للبعض في الوزارة فأرادوا تلبية هذه النزوة وتفريغها. في اعتقادي أن هذا التخبط يعكس تخبطاً إدارياً عميقاً داخل وزارة التربية والتعليم ويدل على عدم مقدرة على التحكم في إدارات الهيئة فمن جهة التعليم لا يتطور ابداً، ومن جهة الوزارة لا تستطيع اكتشاف اخطائها، ومن جهة هناك من يقرر دون أن يفكر في عواقب قراراته. لقد ذكرت مرارا أن "التعليم" مسؤولية مجتمعية وهو جزء من "البنية المحلية" للمجتمعات ولا يمكن أن تتفرد وزارة بالتعليم مركزياً وتتخذ القرارات على هواها. إنني اسأل أين ذهب تمكين إدارات التعليم في المناطق، لأننا نسمع عن هذا التمكين ولا نراه، نقرأ عن الادارة المحلية في التعليم والحقيقة أن الوزارة تدار مركزياً عبر تعاميمها غير المفهومة والمتناقضة. المشكلة من وجهة نظري مع كثير من مؤسسات الدولة أنها تعمل منفردة وتغرد لوحدها خارج السرب، ولا أعلم لماذا، فهي مؤسسات وجدت من أجل خدمة المجتمع، أي أن "زبونها" هم افراد المجتمع فلماذا لا تتواصل مع زبائنها وتحترم رغباتهم وطلباتهم وتبحث عن كافة السبل لإرضائهم، أم أنها مؤسسات ترى أنها تتفضل على افراد المجتمع وأن الجميع يجب أن يقول لمسؤوليها شكرا على تفضلهم و"تبرعهم" لهذا المجتمع بجهدهم ومالهم. إنها مشكلة في المفاهيم وفي الرؤى وفي تحديد الأهداف وفي مسألة العقاب والثواب.