تحقيقات - نقلا عن أوان الكويتية: كما هو حال منافساتها في نيويوركولندن، فإن المكاتب الفخمة لشركة روتانا الإعلامية تعج بالموظفين الذين يهتمون بالأناقة، وبآخر صيحات الموضة، والأحذية التي يرتديها مساعدو ومساعدات المدراء، على الأرجح استهلكت الجزء الأعظم من مرتباتهم الشهرية، أما المديرون والمديرات التنفيذيون فيتجولون بين القاعات مرتدين البدلات الرسمية الكلاسيكية والتنانير الضيقة. إلا أن مقر شركة روتانا ليس في نيويورك أو لندن، بل هو موجود في قلب الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، التي تلتزم فيها النساء بقانون صارم على صعيد الملابس التي يظهرن بها في الأماكن العامة. وهذا أحد الأسباب التي تدفع السعوديين بشكلٍ عام للنظر بعين الريبة إلى هذه المؤسسة. أما السبب الآخر الذي يمكن أن يجعل الكثير من السعوديين يعتبرون أن روتانا تمثل ظاهرة غريبة عن مجتمعهم، فيتمثل في وجود نساء ورجال يعملون إلى جانب بعضهم بعضاً. مثل هذا المشهد يُعتبر صادماً للكثير من الرجال الذين يأتون إلى تلك الشركة بحثاً عن عمل، الأمر الذي دفع مديرة الموارد البشرية سلطانة الرويلي إلى ابتكار خدعة تمكنها من معرفة ما إذا كان المتقدم قادراً على العمل في مكتب مختلط. فهي تنسق بشكلٍ مسبق مع إحدى زميلاتها وتطلب منها الدخول أثناء إجراء المقابلة، ثم تراقب رد فعل الرجل الموجود أمامها، لترى ما إذا كان سيتشتت انتباهه أم إنه سيكثر من التحديق إليها. أحياناً حتى هذه الخدعة لا تبدو ضرورية. فالعديد من الرجال يرتبكون لمجرد التفكير بأن سيدة هي التي ستجري معهم المقابلة. تقول الرويلي: «إنهم يشعرون بالصدمة عندما يرون امرأة في موقع سلطة بحيث يتعين عليهم أن يقدموا لها طلب الحصول على عمل». ربما آن الأوان بالنسبة للرجال السعوديين كي يبدؤوا بالتآلف مع مثل هذه المواقف. صحيحٌ أن روتانا لاتزال تمثل حالة شاذة في المجتمع السعودي، وقد تمكنت من الاستمرار في الوجود بفعل المكانة والمثل التقدمية اللتين يتمتع بهما مالكها المستثمر العالمي الأمير الوليد بن طلال بن عبدالعزيز آل سعود. وصحيحٌ أن المرأة السعودية لاتزال ممنوعة من قيادة السيارة ومغادرة المنزل للتسوق، ناهيك عن الحصول على عمل، دون الحصول على إذن من ولي أمرها. لكن بفضل توجهات عدد من أفراد العائلة المالكة السعودية، وعلى رأسهم الملك عبدالله، فإن هناك بعض التغيرات التي بدأت تشهدها المملكة العربية السعودية، ولو على نحو بطيء. فأماكن العمل المختلطة أصبحت تنمو شيئاً فشيئاً، ولاسيما في البنوك والمستشفيات، التي لم يعد مستغرباً أن نرى فيها طبيبات. نورا الملحوق، المديرة في مركز أبحاث ومستشفى الملك فيصل التخصصي في الرياض، تقول: «في الماضي كان الناس يقولون: لماذا هي تعمل؟ ما حاجتها إلى المال؟ أما الآن فيقولون: لابد من المرأة من أجل حل مشكلة معينة». تعمل الحكومة السعودية حالياً على زيادة فرص النساء في التعليم، وذلك عبر بناء جامعات خاصة للنساء (على عكس ما كان يحصل في السابق عندما كانت تُخصَّص أقسام للنساء داخل الجامعات التي يهيمن عليها الذكور)؛ وخلال الشهر الماضي تم إطلاق أول جامعة مختلطة في المملكة. فضلاً عن ذلك تعمل الدولة حالياً على تشجيع النساء لدخول مجال العمل، كما ترعى بعض البرامج التي تهدف لحماية النساء والأطفال من سوء المعاملة في المنزل، وتحث السعوديين أيضاً على مناقشة فكرة تولية المرأة، التي كانت تُعتبر في السابق من المواضيع المحرَّمة بشدة لدرجة أنه حتى الصحف المحلية لم تكن تتطرق إليها. «باختصار يمكن القول إن النساء قادمات»، تقول الدكتورة مها المنيف، التي كانت واحدة من بين النساء الست اللاتي ترشحن في وقتٍ مبكر من هذا العام لدخول مجلس الشورى. ثم تضيف: «هذه خطوة أولى جيدة؛ لسان حال الملك والنظام السياسي يقول إن الوقت قد حان؛ صحيحٌ أن الخطوات التي يتم اتخاذها في الوقت الحالي صغيرة، أما الخطوات القادمة فستكون عملاقة. لكن بما أن معظم السعوديين تعلموا وفقاً للطرق التقليدية، فإنه من غير الممكن تغيير النظام الاجتماعي دفعة واحدة. التغيير والقيود منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 والسعودية تتعرض لضغوط كبيرة من قبل حلفائها في الغرب، لحثها على إصلاح نظامها السياسي والاجتماعي. وخلال فبراير (شباط) الماضي أعلن الملك عبدالله عن إجراء تغييرات حكومية جوهرية وإقالة بعض الشخصيات، وقد شمل ذلك أحد كبار القضاة الذي أفتى في إحدى المرات بجواز قتل أصحاب القنوات الفضائية التي تروِّج للفسق والفجور. كما عيَّن الملك وزيراً للتربية، وأوكل إليه مهمة جعل المناهج تركز على الجانب التسامحي للإسلام، وعيَّن أيضاً سيدة، وهي نورا الفايز، في منصب وكيلة الوزارة لشؤون تعليم البنات، وهي المرة الأولى التي تصل فيها امرأة إلى منصب على مستوى وزاري. بالرغم من أن الفايز تُعتبر من الشخصيات المعروفة والمحبوبة، إلا أن تعيينها يكشف أيضاً النقاب عن القيود المفروضة على التغييرات التي تشهدها المملكة العربية السعودية. فهي لا تجتمع بزملائها الذكور إلا من خلال الهاتف المرئي، ولا تظهر على التلفزيون إلا بعد حصولها على إذن من الوزير المسؤول عنها، فضلاً عن ذلك رفضت الفايز أن يتم تصويرها من أجل هذا التقرير، كما عبَّرت خلال لقاء صحافي عن شعورها بالإحباط بسبب نشر صورة قديمة لها (من دون نقاب) على الإنترنت. وخلال لقائها مع مجلة «تايم»، أكدت أنها لم توكل إليها أية مهمة خاصة بعيداً عن تحسين الوضع التعليمي للبنات. وتقول: «لا أحب التسرع في اتخاذ القرار؛ يتعين علي تحديد ما هي الاحتياجات والقيام بتصنيفها؛ أنا أؤمن بالعمل الجماعي». لكن لابد من تفهم هذه الحيطة من جانب الفايز؛ فالأضواء مسلطة عليها في كافة أنحاء البلاد. الدكتورة حنان الأحمدي، إحدى صديقات الفايز، تقول: «الضغوط عليها هائلة». ثم تضيف: «ينبغي على المرأة أن تثبت بأنها لن تتخلى عن مبادئها الدينية، وأن المشاركة في الشؤون العامة وتولي مناصب قيادية تماشياً القيم الإسلامية والهوية السعودية». إذا ما نظرنا إلى الأمور من زاوية أخرى، فإن هذا التوجه الرسمي للدفاع عن حقوق المرأة يبدو أشبه بجلسة تدريب، أو شكل من أشكال حملة تهدف لتحضير السعوديين لتقبل ظاهرة جديدة. تقول الفايز: «إذا كنا نريد تنفيذ فكرة جديدة، ينبغي علينا مناقشتها في بادئ الأمر؛ إذ ليس من الصائب أن نتخذ القرار بسرعة». والدليل على أن التشاور والتناقش يُعتبر شكلاً من أشكال صناعة القرار السياسي يتجلى في تطوير «البرنامج الوطني لسلامة الأسرة»، الذي أطلقته العام 1999 مجموعة من النساء المهتمات بظاهرة العنف المنزلي. وكدليل على مدى اهتمامه بهذا الأمر، قام الملك عبدالله في العام 2006 بتكليف ابنته الأميرة عادلة بالإشراف على هذا البرنامج، الذي ساهم في وضع أولى القوانين التي تحظر على الأزواج إساءة معاملة زوجاتهم أو أبنائهم. وخلال حديثها مع مجلة «تايم»، قالت الأميرة عادلة: «بالنسبة لنا كعرب وسعوديين ومسلمين، لا يمكننا أن نؤمن بهذه القيم، وننظر إلى تلك التقارير دون أن تتولد لدينا رغبة بوضع حدٍّ لها». الجزء الأكبر من هذا البرنامج موجه لتعليم الرجال السعوديين بأنه لم يعد لديهم الحق بضرب زوجاتهم وأطفالهم، ويبدو أن هذه الجهود بدأت تثمر على أرض الواقع. فخلال فصل الربيع الماضي نظَّم مسؤولو البرنامج سلسلة من اللقاءات في مختلف المدن السعودية؛ وقد أدت مشاركة الأميرة عادلة في تلك اللقاءات إلى إقبال المسؤولين المحليين على حضورها. وخلال إحدى تلك اللقاءات التي عُقدت في مدينة أبها المطلة على البحر الأحمر، قال أحد القضاة: إن الزوج يضطر أحياناً إلى ضرب زوجته، مثلما يحدث عندما تنفق الكثير من المال على التسوق. لكن صيحات الاستهجان التي أطلقتها النساء الحاضرات، إلى جانب التغطية الإعلامية التي لقيها هذا الأمر، كانت بمثابة دليل واضح على أن هذا الأمر لم يعد مقبولاً. تقول الأميرة عادلة: «إحدى أهم الأشياء التي قام بها والدي تتمثل في إطلاق الحوار، فالنساء بحاجة إلى أن تُسمع أصواتهن، ولا أحد يستطيع التكلم نيابة عن النساء سوى النساء». على أي حال وضع حد لظاهرة العنف المنزلي لا يُعتبر من القضايا التي تثير جدلاً كبيراً. المراقبون من خارج الحكومة يقولون إن الدولة لاتزال غير قادرة على اتخاذ مقاربة منهجية من أجل تفكيك الحواجز التي تحول دون الاختلاط بين الجنسين. على سبيل المثال، في الوقت الذي تسعى الحكومة لتشجيع النساء على العمل، إلا أن الخطوط التي تفصل بين ما هو قانوني وما هو غير قانوني في العمل في المكاتب لاتزال غائبة، كما يرى عبدالعزيز القاسم، القاضي السابق الذي يدير حالياً شركة محاماة خاصة به في الرياض. ويقول: «نتمنى أن نوظف النساء؛ والعديد من النساء في كليات الحقوق يبعثن إلينا بسيرهن الذاتية. لكن أين سنضعهن؟» في ظل عدم وجود مدخل خاص بالنساء أو غرف اجتماعات تراعي الفصل بين الجنسين، فإن الشركات تخشى من أن تتم مقاضاتها. كما أنه حتى الآن لا توجد قوانين تحمي النساء من التحرش أثناء العمل. ثم يضيف: «لا معنى لتعليم النساء ما لم يكنَّ قادرات على العمل». من ناحية أخرى، ثمة أدلة على أن الكثير من النساء لا يرغبن في إدخال تعديلات جذرية على الوضع القائم. وحسب الاستبيان الذي أجرته الحكومة العام 2006 -وهو واحد من المحاولات القليلة التي تهدف إلى سبر آراء النساء- فإن 86 في المئة من النساء يعتقدن أنهن يجب ألا يعملن في بيئة مختلطة، فيما عبَّرت 89 في المئة منهن عن معارضتهن لتولي المرأة قيادة السيارة. إيمان العقيل، رئيسة تحرير مجلة «الحياة» المخصصة للفتيات، تقول إن معظم قارئاتها يجدن أن مجرد التفكير بالعمل أو الدراسة بجوار الفتيان والرجال أمر غير مقبول. «إنهن يردن أن يتصرفن على راحتهن وألا يقلقن حيال رأي الآخرين بهن»، تقول العقيل، علماً أن هذا قد يكون ناتجاً إلى حدٍّ ما عن كون الرجال السعوديين لا يجيدون التصرف أمام النساء. ثم تضيف: «قبل أن نقوم بإدخال الجديد علينا القيام بإصلاح القديم. وإذا كنا نريد النساء أن يقدن السيارات، فلنرسل الرجال إلى مدارس تعليم القيادة». على أي حال حتى الوجه المتزمت للسعودية والمتمثل في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بدأ يشهد بعض التغييرات، ولاسيما في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في السعودية العام 2003. فقد بدأت هذه الهيئة، التي يخشاها الجميع، بتوظيف مستشارين إعلاميين من أجل تحسين صورتها، وهذا ما يبدو واضحاً من خلال بعض الحملات الإعلامية. ويؤكد بعض مسؤولي الهيئة على أنهم يجب أن يساعدوا في حماية المرأة من العنف. بندر المطيري، أحد مسؤولي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرياض، يقول: «ما نقوم به في الوقت الحالي لا يتعدى تقديم النصح للنساء بأن اللباس المحتشم هو الشيء الصحيح الذي يتعين عليهن الالتزام به، تماماً مثلما يحدث عندما ترى شخصاً يدخن، إذ لا تستطيع أن تأخذ منه السيجارة عنوةً؛ فقط تقول له إن التدخين ضار بصحتك». مثلما يبذل القادة السعوديون جهوداً حثيثة في الوقت الحالي لتطوير صناعات جديدة بهدف تنويع الاقتصاد وتحريره من تبعيته شبه المطلقة للنفط، فإنهم ملزمون أيضاً بإدراك حقيقة أنه من غير المنطقي أن تبقى نصف الثروة البشرية حبيسة المنزل. وأيضاً من غير المنطقي أن تعود الطبقة الصاعدة حديثاً من النساء العاملات السعوديات إلى الأوضاع التي كانت سائدة في السابق. تقول الرويلي: «نحن لسنا ثلة من دمى باربي، جميعنا واجهنا الكثير من التحديات حتى وصلنا إلى هنا. نحن رائدات، وسوف نربح في نهاية المطاف».