هل المال الحرام الذي يورِّثه المورث للورثة تنتقل حرمته إلى الورثة، أم أنه يكون مالاً حلالاً لهم؟ وكذلك لو أن شخصاً أهدى مالاً محرماً إلى شخص، والمهدى إليه يعلم بحرمة هذا المال، فهل تنتقل إليه حرمة هذا المال أم أنه يكون مالاً حلالاً عليه، وينفقه في أكله وملبسه دون أن يخشى الإثم؟ الجواب الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: جواب هذه المسألة يحتاج إلى تفصيل على النحو التالي: إذا كان عين المال الموروث حراما -كأن يكون من الخمر أو المخدرات- فهذا لا يحل إدراجه ضمن التركة، ويجب إتلافه. وإذا كان عين المال مسروقًا أو مجحودًا (أي له صاحب) -كمبلغ من المال أو ذهب ونحو ذلك من الأعيان- فهذا يجب ردّه إلى صاحبه إن علمه، أو يتصدق به بالنية عن صاحبه. وكذلك يقال في الهدية إذا كانت محرمة العين -كهدية الخمر أو الخنزير- فيحرم قبولها ولا تحل. وكذلك إن كانت مالا مسروقاً فهذا له صاحب، والذمة حينئذ مشغولة به، فيحرم قبولها ولا تحل؛ لأن الواجب على من بيده هذه العين أن يردها إلى صاحبها، أو تبذل صدقة عنه إذا جهل. ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف بين أهل العلم. فأما إذا لم يكن المال حرام العين، ولا صاحب له -كأن يكون من بنك ربوي، أو من مكسب الغناء المحرم- فهذا قد تنازع فيه أهل العلم على ثلاثة أقوال، القول الأول: منع الجميع، والقول الثاني: التفريق بين الإرث والهدية، والقول الثالث: جواز الجميع، وأولى هذه الأقوال بالصواب هو جواز قبول هذا المال واستعماله إرثا كان أو هدية، ويدل لذلك أدلة منها: أنه لم يرد في الكتاب والسنة تحريم لذلك، ولو كان حراما لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، إذ الأمة محتاجة لمثل هذا البيان مع وجود عدد من الأصحاب الذين أسلموا وبقي أباؤهم وأهلوهم على الكفر، وبعضهم من اليهود الذين يأكلون الربا والسحت كما ذكر الله ذلك عنهم في قوله (وأكلهم الربا وقد نهو عنه)، ولا ريب أنه يكون بينهم من الهدايا والهبات ما يكون بين المعارف والقرابات، ومما هو معلوم أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. ويستدل لذلك أيضا بما أخرجاه في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم والبرمة تفور بلحم، فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة فيها لحم؟ قالوا: بلى؛ ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، قال: عليها صدقة ولنا هدية. فالصدقة محرمة على النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لما انتقلت إليه بطريق مشروع -وهو الهدية- حلت. ويستدل أيضا بأن الوارث وقابل الهدية لم يرتكب إثما ولم يأت منكرًا، إذ انتقال الإرث إليه شرعي، وقبول الهدية مشروع، بل مستحب ومسنون. ومن الأدلة أن النبي نفسه صلى الله عليه وسلم قد تعامل مع اليهود، وأكل طعامهم، وقبل هداياهم من غير استفصال عن أموالهم هل هي خالصة الحرمة أم مختلطة، مع علمه صلى الله عليه وسلم بأنهم يأكلون الربا، فكان يتعايش معهم من غير سؤال أو استفصال عن حالهم، ولو كان ذلك واقعاً لنقل إلينا، فمثله تتداعى الهمم لنقله وحفظه. وبناءً على ما سبق يتبين حل المال المحرم -بضوابطه السابقة- الموروث للورثة لانتقاله إليهم بطريق شرعي صحيح، ومثله الهدية. ولا يظهر لي وجه صحيح في التفريق بينها وبين المال الموروث، فكلاهما في الأصل مال حرام وكلاهما انتقل بطريق مشروع، فالمال من مكسب حرام، والإرث طريق شرعي، وكذلك الهدية والهبة طريق شرعي، ومن فرَّق بين قبول المال الموروث وقبول الهدية في هذه المسألة فقد فرَّق بين متماثلين، إذ كلاهما محرم الأصل، وكلاهما انتقل بطريق شرعي. لكن ثمة مسألة ينبغي التنبيه عليها، وهي أنه إن رأى المُهدى إليه أن في عدم قبول هدية المُهدِي مصلحة شرعية -كأن يغلب على ظنه تأثره عند رده هديته، وأنه يمكن أن يرتدع بذلك ويترك ما هو عليه من الحرام- فهنا لا ريب في أنه ينبغي له عدم قبولها من غير تحريم.