منذ فترة ليست بالقصيرة ونحن نشعر بأن الصراع الخفي بين التجار والمستهلكين للسلع المنتجة محلياً والمستوردة بدأ يبرز بشكل واضح مع تجاهل الجهة المختصة ( وزارة التجارة والصناعة) لدورها التنظيمي والرقابي على الأنشطة التجارية للوصول لقيمة عادلة لسعر المنتج سواء للتاجر او المستهلك! فتجاهل ذلك الصراع تسبب في بروز تنظيمات غير رسمية في عدد من الأنشطة تمثلت في وجود تكتلات للتجار يقابلها حملات شعبية للمقاطعة! ليتحول الوضع ل"حرب تجارية" بين تجار النشاط والمستهلكين! ولتمارس خلالها كل الأسلحة بما فيها الإعلامية ولكن كلا حسب إمكانياته! ومع استمرار الوضع الغير صحي في النشاط التجاري نتساءل: لماذا ظهرت حملات المقاطعة التي أقلقت المسئولين والتجار؟ وهل صمت وزارة التجارة عن تكتل التجار وقراراتهم الموحدة دور في ذلك؟ أم أن صراع التجار والمستهلكين يمثل احد أشكال المنافسة التي نطمح لها! إن عدم فهم جهاتنا المختصة للمفهوم الصحيح لرعاية الدولة لمؤسسات القطاع الخاص والتفريق بين مفهوم الرعاية والاحتكار تسبب في دخول تلك المؤسسات في صراع كبير مع المستفيدين من خدماتها، فالواضح أن كل جهة حكومية تهتم بالمؤسسات التابعة لها وتراعي مصالحها، فمؤسسة النقد تدعم البنوك! ووزارة الزراعة ترعى الشركات الزراعية مصانع الألبان ووزارة الحج تهتم بمؤسسات الحج والعمرة... وهكذا، ولكن في وزارة التجارة سنجد أنها يجب أن تهتم بمصالح التجار والمستهلكين على حد سواء، ومن هنا فعندما خاض منتجو الألبان حرب أسعار قبل سنوات، سارعت وزارة الزراعة لتكوين تكتل لمنع انهيار ذلك النشاط خوفا من أن يترتب على ذلك خروج لصغار المنتجين واحتكار شركات محدودة لذلك النشاط! فتم النجاح في إيقاف حرب الأسعار حينها ولكن هذا التكتل ادخل فكر جديد لمعظم الأنشطة الاقتصادية، ولتبرز لدينا تكتلات كبرى للتجار تتخذ قرارات جماعية وتنفذها في ظل صمت الجهة المختصة بمحاربة الاحتكار! فقد شاهدنا ماقام به تكتل منتجي الألبان قبل عامين عندما قرروا في يوم واحد رفع الأسعار وتخفيض الكميات لمنتجات الألبان والعصائر وليتم تحييد وزارة التجارة بالتبرير بارتفاع تكلفة الإنتاج! ولكن هل قامت وزارة التجارة بالتحقق من صحة تلك التبريرات؟ اعتقد أن نتائج شركات الألبان خلال عام 2008م تثبت بأنها نجحت في رفع أرباحها بنسب عالية لاتتحقق في أي دولة واعتبارا من الربع الأول الذي شهد رفع الأسعار وتخفيض الكميات! هنا هل نلوم باقي تجار الأنشطة الأخرى على التكتل لخدمة مصالحهم؟ فهم يرون نتائج شركات الألبان وردة فعل الجهات الرسمية، فالاحتكار لدينا لم يأتي من شركة او شركتين وإنما من مجموعة مسيطرة على كامل النشاط والمؤسف هو المجاهرة بالتكتل بان تكون بياناتهم من هيئات رسمية! أما في الجانب الآخر فان ثقافة المقاطعة للمنتجات التي انتشرت بمجتمعاتنا برزت في البداية لأسباب تتعلق بمشاعر الشعوب الدينية والعاطفية مثل مقاطعة السلع والمنتجات الدنمركية والأمريكية..، والتي دعمت واستغلت إعلاميا من تجارنا ومصانعنا وتمت الاستفادة منها في بيع سلعهم البديلة للسلع المقاطعة حتى ولو بأسعار أعلى! ولكن بسبب ردة فعل المستهلكين على لجوء التجار الى ثقافة التكتل في تسيير أعمالهم التجارية اختلف الوضع تماما، فحماية المستهلك لم تفعل ووزارة التجارة لم تهتم في منع تلك التكتلات والاحتكار الذي استفحل مؤخرا واتخذ أشكالاً جديدة فالمستهلكون لم يقبلوا ذلك التكتل وعبروا عن ذلك بحملات المقاطعة ، فسعى التجار الى إنهائها ومطالبة الجهات الرسمية بتعقب من يقودها في الوقت الذي يمارس فيه تجارنا نفس الفكر بالتنظيم المخالف والغير رسمي! إن سوء التقدير لخطورة تلك التنظيمات (تكتل التجار والمستهلكين) سيهدم أساسيات التجارة الحرة وسيلحق الضرر بمصلحة كل من التاجر والمستهلك، فالتاجر هو بالتأكيد مستهلك لسلعة أخرى، وأي تجاوزات من بعض المواطنين أثناء التعبير عن الرفض لتكتلات التجار ستسيء للجميع، والملاحظ مؤخرا هو ارتفاع حدة الصراع ووصوله الى التهديد بفصل الموظفين للضغط لتمرير المطالب! والذي يمثل احد أشكال استعراض القوة بسبب عدم قيام وزارة التجارة بدورها الرقابي! فتجاهل التحقق من صحة مايدعيه التجار من إيضاحات عن مبررات الأسعار سيؤدي الى لجوء المستهلكين الى قنوات غير رسمية! فوزارة التجارة مطالبة أولا بسرعة منع تكتلات التجار التي تسببت في بروز حملات المقاطعة، كما يجب أن تسرع بتفعيل جمعية حماية المستهلك التي يجب عليها أيضا أن تفتح قناة اتصال مع المواطنين( موقع الكتروني مثلا) لتلقى الشكاوي والمرئيات! ففي ظل الوضع الغامض عن حقيقة مايحدث في بعض الأنشطة وعدم استفادتنا من انخفاض الأسعار العالمية لبعض السلع سيستمر الصراع وبدون تدارك ذلك ستبرز أساليب جديدة قد يتضرر منها الجميع، ولكنني أخشى أن يكون التدخل متأخرا!