وأعني به تطوير القضاء الذي أُعلن قبل أيام قليلة، والذي يأمل الناس أن يؤدي إلى تفادي صدور أحكام قضائية تُعدُّ فعلاً محيّرةً. آخر المفاجآت صدور حكم أحد قضاة المحكمة الجزئية في العاصمة المقدسة ضد ثلاثة شبان سرقوا ثلاثة باكوات (أكراز) من الدخان من إحدى البقالات. الحكم ينص على سجن كل منهم 5 سنوات، وجلده 500 جلدة متفرقة على دفعات. ويقول أحد المستشارين القضائيين: إن هذا يدخل في باب (التعازير المطلقة)، أي يمكن للقاضي الحكم بأي شيء.. ربما قطع اليد، أو حتى الرقبة. هل تطوير القضاء يعني منح القاضي صلاحيات مطلقة لا حدّ لها، ولا أول ولا آخر؟ هل يتفق معظم القضاة مع هذا المبدأ الذي يعني تباينات لا حدود لها؟ وأحسب لو أن هذه القضية تحديدًا عُرضت على قاضي محكمة المويه (الفقيه المتجدد) لما صدرت منه هذه العقوبة المغلّظة غير المقنعة أبدًا، ولربما اكتفى بشيء من الغرامة المالية، وأسابيع، أو شهور في الخدمة العامة. وفي مقياس البعض إن الحكم بقطع اليد هنا هو أرحم من سجن 5 سنوات مصحوبة بخمسمائة جلدة، يخرج بعدها الشاب محطّم النفس، مكسور الجناح مضطهدًا من كل فئات المجتمع. لا أعلم متى يصل بنا الحال إلى بلوغ الشجاعة الكافية لنقول: كفى اجتهادًا، وكفى منحًا لصلاحيات لا حدود لها، ولنبدأ في تقنين الأحكام، وفي وضع الإطار العام الذي لا يسمح لأيٍّ كان بفتح أبواب، وإطلاق أحكام تسيء إلى الإسلام وأهله أكثر ممّا تسيء إلى المحكوم عليهم وعلى ذويهم. دعونا بالله (الذي سبقت رحمته غضبه، وعفوه عقوبته).. نمعن النظر مرّات ومرّات في آليات التقاضي، وفي حدود الاجتهاد المسموح بها، وفي الآثار المترتبة على الغلو في العقوبات كما هو الحال في سارق الدخان، وسارقي الخروفين، وما يقابله من تخفيف كبير في قضايا أخرى كذلك الذي قتل زوجته عمدًا، أو شبه عمد، فنال حكمًا بالسجن لعام ونصف فقط مع 500 جلدة.