هناك حقيقة ينبغي أن نعلمها جميعاً وهي أن جميع وسائل النقل في الدنيا هي من تسخير الله تعالى، ولولا أن الله -عز وجل- قد سخرها لنا وذلَّلها لنا ما كنَّا لنقترن بها ونستفيد منها. ولذلك يقول تعالى: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) [الزخرف: 12-14]. وهذا يدل على أننا ما كنا لنقترن بوسائل النقل هذه لولا أن الله سخرها لنا. فهذه الآية الكريمة تذكر أنواعاً متعددة من وسائل النقل تبدأ اعتباراً من بعض الحيوانات التي ذللها الله لنا من الإبل والخيل والبغال والحمير وغيرها، والسؤال: هل يمكن للإنسان أن يقترن بهذه الحيوانات لولا أن الله قد سخرها له وذلَّلها وجعلها قابلة للانقياد؟ نعمة التسخير مثلاً لو تأملنا شكل الفهد وهو من أسرع الحيوانات وتركيبه والتصميم الخارجي والداخلي له، نلاحظ أنه لا ينقاد للإنسان ولا يمكن للبشر أن يستفيدوا منه، وبلغة الهندسة: لا يمكن "استثماره" لأن الله تعالى لم يخلقه لهذه الغاية، وهنا تتجلى عظمة الخالق -سبحانه وتعالى- في هذه المخلوقات، ماذا يمكن أن يحدث لو أن الحمار أو البغل أو الجمل ماذا لو كانت هذه المخلوقات شرسة وتشبه بقية الحيوانات المفترسة؟ ماذا سيكون مصير الإنسان لو أن الله تعالى لم يسخر لنا هذه الوسائل؟ سيكون الإنسان وقتها في مشقة كبيرة، وعند هذه النقطة نستطيع أن نفهم جيداً لماذا أمرنا الله أن نسبحه عند كل ركوب: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ). ويخلق ما لا تعلمون يقول تبارك وتعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (7) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) [النحل: 5-9]. في هذه الآيات الكريمات إشارات عديدة لنعمة عظيمة من نعم الله تعالى وهي وسائل النقل، بدءاً من الأنعام وانتهاء بقوله تعالى (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) والملاحظ أن الله -سبحانه وتعالى- ترك المجال مفتوحاً أمام البشر ليخترعوا ويبدعوا. تسخير الله للبحر تعد السفن من أقدم وسائل النقل المعروفة في التاريخ، وحتى يومنا هذا يعد النقل البحري من أرخص وسائل النقل، وبما أن البحار تشكل ما نسبته 71 % من مساحة الكرة الأرضية، فهذا يعني أن الله تعالى سخر لنا ثلثي الأرض من أجل حمل أثقالنا ولذلك، يقول تعالى: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (12) وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 12-13]. هذه الآية تعني أن الله برحمته -عز وجل- قد سخر لنا البحر وسخر الرياح لتكون سبباً في تشكل الأمواج ودفع السفن لتصبح سهلة الحركة، ومن رحمة الله تعالى أنه جعل الماء أثقل من الخشب ليطفو الخشب على سطح الماء وفق قوة اسمها دافعة أرخميدس. هذه القوة تقدم طاقة مجانية بلا أجر (وهذا هو معنى سخر في اللغة العربية) هذه الطاقة تفيدنا بأن تبقى السفينة فوق سطح الماء ولا تغوص للأسفل، فلو كانت كثافة الماء أقل من كثافة الخشب لم نستطع أن نقترن بهذه السفن، وبالتالي لم نستطع أن نستخدمها كوسيلة للنقل أو الركوب. سبحان الذي سخر لنا هذا... وهذه النعم من الله تعالى تدعونا دائماً لأن نتفكر فيها ونؤدي شكرها ونحمد الله الذي ذلَّل لنا الماء لنركبه وذلل لنا هذه الوسائل البحرية لنستفيد منها، ونقول كلما ركبنا فيها: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) [الزخرف: 13-14]. وهنا نلاحظ أن الآية قد انتهت بقول الله عز وجل: (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) أي ينبغي علينا كلما قمنا برحلة قصيرة في الدنيا أن نتذكر رحلة الآخرة، وأننا سننقلب إلى الله، وأن كل خطوة نخطوها تقربنا من أجلنا، كما قال الحسن البصري: يا ابن آدم إنما أنت أيام كلما مضى يوم مضى بعضك! وفي هذا إشارة خفية إلى ضرورة التأني وعدم الإسراع ولو طبق الناس هذه القاعدة، أي أنهم تذكروا رحلتهم إلى الآخرة، لانخفضت نسبة الحوادث المرورية بشكل كبير! ولذلك نجد أن القرآن دائماً يذكرنا بنعمة الله وأن ننظر ونتأمل ونتفكر، فهذه الوسائل التي سخرها الله لنا يجب أن تكون محل اهتمام ودراسة من قبل المؤمن، ولذلك خاطبنا الله بقوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (71) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ (72) وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) [يس: 71-73]. فطرة الله هناك حيوانات خصصها الله بالفطرة لتكون ذليلة ومطيعة للبشر، ووضع فيها خصائص تجعلها قابلة "للاستثمار" حيث نجد أن شكل الجمل مناسب للصحراء، وشكل الحصان مناسب للمسافات الطويلة وللمعارك، وشكل الحمار مناسب للمسافات القصيرة وهكذا... لنتأمل هذه الآيات الكريمات كم تحوي من معانٍ ودلالات تستحق النظر، فالجمل مثلاً وسيلة ممتازة للركوب ونقل البضائع، وفي الصحراء تعجز السيارات الحديثة عن التنقل بينما نجد الجمل يسير بكل راحة وسهولة. إن تصميم الجمل مناسب للنقل عبر الصحراء ومناسب لتحمل العطش والسير للمسافات الطويلة، نلاحظ أن الجمل الضخم ينقاد من قبل طفل صغير!!
مقالة للدكتور مصطفى يعقوب (دكتوراه في الإعلام الإسلامي)