قال لي أحد الأقارب إن لديه حارسا في منزله، وفوجئ بالحارس يطلب النقل إلى شركة نظافة في أحد المدن، وغاب الحارس واستبدله بحارس آخر.. لكنه لم يكن على المستوى المطلوب، واتصل بالحارس السابق في محاولة لإعادته إليه.. واشتاط الحارس غضباً في رده وقال: "لقد أضعت وقتي لمدة سنتين براتب يقل أضعافا عن الذي أتقاضاه الآن.. وبعد مرور فترة على الحوار عرفت من ذلك القريب أن سبب تلك الزيادة الكبيرة هو الوقوف عند الإشارات للتسول.. التسول بشكل عام ظاهرة غير حضارية تحاربها المجتمعات وتقضي على أسبابها ببرامج متخصصة تستهدف الفئات المحتاجة، وبالرغم من أننا نعاني منذ زمن من هذه الظاهرة المقيتة إلا أن هذه الظاهرة بدأت تأخذ مناحي أخرى مثل لجوء عمال النظافة للوقوف عند الإشارات لهذا السبب. إن الملاحظ في مجتمعاتنا أنه لا يكاد يخلو مسجد من مساجدنا من متسولين، والمشكلة أن الأمر مستمر وهنا نتوجه بهذه الأسئلة: أين الجهة المسؤولة عن مكافحة التسول؟ والسؤال الثاني هل فعلاً كل هذه الأعداد مضطرة للتسول؟ هذه أسئلة لا بد من الإجابة عليها.. نعرف أن هناك جهات حكومية وغير حكومية، وهناك الكثيرون من أهل الخير الذين يستهدفون المحتاجين فلماذا لم تجد كل هذه الجهود مجتمعة في القضاء على التسول؟ أين مؤسسات البحث من تناول هذه الظاهرة بالبحث والدراسة ومعرفة كم النسبة التي استهدفتها كل تلك الجهود؟ هل استهدفت كل المحتاجين؟ وهل هذه الجهود في الطريق الصحيح؟ ثم من هؤلاء المتسولون؟ هنا نطرح أسئلة أكثر من إعطاء حلول.. الجهود يجب أن تستهدف القبض على المتسولين ودراسة حالاتهم، فإن كانوا من أبناء الوطن تتم دراسة حالاتهم ويوجهون للطريق الصحيح الذي يكفل امتناعهم عن ممارسة هذا العمل، وإن كانوا من غير أبناء الوطن فيطبق بحقهم النظام. أما وقوف عمَّال النظافة وممارسة التسول عند الإشارات فيجب أن يقف فوراً عن طريق إشعار الشركات التي توظفهم والحزم مع شركات النظافة في حالة استمرار هذه الظاهرة.. قد يقول قائل إن التسول موجود في جميع أنحاء العالم، هذا صحيح كما يوجد مشردون حتى في الدول العظمى الغنية.. والرد على مثل هذه الأقوال: أولاً أن الخطأ ليس قدوة حتى لو حدث في أغنى الدول وأكثرها تطورا.. ولا يمكن لنا أن نقبل بهذا الخطأ لأنه موجود هنا أو هناك.. وثانياً إن هذه الظاهرة موجودة في تلك الدول بنسبة ضئيلة جداً مقارنة بما يعانيه مجتمعنا.. ظاهرة التسول في بلادنا تكشف أن هناك خللاً ما في مكان ما.. مجتمعنا تغلب عليه العاطفة ويستجيب لمثل هذه الظاهرة بحثاً عن الثواب، هذا صحيح وربما كان ذلك سبباً في تلك الظاهرة، ولا أعرف كم نسبة مساهمة هذا السبب.. لكن الذي أعلمه علم اليقين أن مجتمعنا أيضاً مجتمع ميسور ومجتمعنا مجتمع فيه قوانين، وإضافة إلى ما سبق من أسئلة وبحسن نية لماذا لم تقض زكوات أموالنا الطائلة على ظاهرة التسول؟ ولماذا لم تردع قوانيننا انتشار هذه الظاهرة في كل شارع ومسجد؟ إن القادم إلى أي بلد من البلدان يأخذ فكرة عن تلك البلاد بما يراه في شوارعها وطرقاتها من ممارسات، والممارسات الحضارية تكشف عن مجتمعات متحضرة والعكس صحيح.. ماذا يقول الناس عنا إذا قدموا إلى بلادنا ورأوا الإشارات تعج بالمتسولين؟ لماذا نسمح لهذه الفئة بتشويه صورتنا، ربما يكون بعضهم محتاج فعلاً وربما يكونون كلهم محتاجين أيضاً.. لكن لا يمكن أن تكون هذه الطريقة هي الحل الذي يلجأ إليها هؤلاء المحتاجين؟ الظاهر أن هناك قصورا من الجهة المسؤولة عن تفشي هذه الظاهرة.. والظاهر أن هناك قصورا من مؤسسات البحث لدينا.. والظاهر أن زكوات أموالنا تكفي لسد حاجة المحتاجين في بلادنا .. طيب إذا كان هذا الأمر فإنني أرى أن يكون هناك تدخل قوي، اقترح أن يكون من أمراء المناطق الذين يملكون قوة النظام بأن يكلفوا جهات البحث في مناطقهم وهي الجامعات بالمشاركة مع الجهة المتخصصة في هذا الشأن وبمشاركة الغرف التجارية لدراسة هذه الظاهرة من وجوهها الثلاثة: وجه الزكوات ووجه نوعية الفئات المتسولة والأساليب التي يمكن معالجة هذه الظاهرة بها .. مثل هذا الجهد سيكشف لنا كل أبعاد هذه الظاهرة، المجتمعات المتحضرة تلجأ للدراسات العلمية لمعالجة مشكلاتها من أي نوع، ووجود إمارات المناطق في الصورة يضيف مزيداً من الجدية للوصول إلى علاج لهذه الظاهرة، ووجود جهات البحث العلمي ضروري جداً بحكم التخصص في البحث، والجهة المعنية مهمة بحكم المرجعية والغرف التجارية يمكنها توفير إحصائيات للاستفادة منها في معرفة أقرب رقم للرقم الفعلي للزكوات.. نحن جميعاً نحرص على بلادنا وعلى سمعتها، ولا تستحق بلادنا أن تستمر هذه الظاهرة، وأؤكد هنا أننا بدون دراسات جادة بمشاركة عدة جهات لن نستطيع الوصول إلى عمق المشكلة ومعرفتها وإيجاد الحلول لها .. إن استمرار هذه الظاهرة على مرأى ومسمع منا جميعاً يحملنا جميعاً المسؤولية، مسؤولية هؤلاء المحتاجين، ربما ومسؤولية سمعة بلادنا، ومسؤولية العجز في حلها، ونحن نعرف جميعاً أننا لسنا مجتمعاً عاجزاً لكن هناك قصور نشترك فيه جميعاً، وآن الوقت أن نضع هذه الظاهرة في دائرة الضوء ونضع كل من له علاقة أمام مسؤولياته، ثم عندما تنكشف لنا هذه الظاهرة بشكل علمي وبكل أبعادها ونعرف الحلول على أساس علمي نبدأ بتطبيق هذه الحلول، نحمل أي جهة القصور في تطبيق الحلول ثم نبدأ في محاسبتها.. وخلاصة القول إن ظاهرة التسول في بلادنا قد انتشرت بشكل يستدعي الوقوف عندها بشكل جاد بطريقة تشرف عليها إمارات المناطق كجهة مشرفة على فرق عمل تشترك فيها جهات بحثية وتجارية وذات علاقة لدراستها ووضع حلول لها على أسس علمية، ثم تشرف الإمارات على الحلول لمزيد من الجدية والمحاسبة المباشرة لكل من يثبت تقصيره عن أداء دوره.. وطننا مسؤوليتنا ويجب ألا نسمح أن تمس سمعته مثل هذه الظاهرة أو غيرها..