انتخب المجلس الوطني التأسيسي التونسي الاثنين (12 ديسمبر / كانون الأول 2011) رئيسا لتونس، وهو منصف المرزوقي المناضل الحقوقي وزعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (يسار قومي) ومرشح ائتلاف الغالبية المكون من ثلاثة أحزاب في المجلس. وانتخب المرزوقي بغالبية 153 صوتا مقابل معارضة ثلاثة اصوات وامتناع اثنين عن التصويت و44 بطاقة بيضاء من اجمالي 202 عضو من اعضاء المجلس البالغ عددهم 217. وستكون مهمته الاولى اختيار رئيس الحكومة المتوقع ان يكون الاسلامي حمادي الجبالي. وعقد أعضاء المجلس التأسيسي جلسة عامة لانتخاب رئيس الجمهورية الذي يشكل أحد رأسي السلطة التنفيذية الجديدة في تونس، وذلك بعد شهر ونصف من انتخابات 23 أكتوبر / تشرين الأول، وبعد11 شهرا من فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي إلى السعودية إثر ثورة شعبية غير مسبوقة ضد نظامه. وكان المجلس الوطني التأسيسي أعلن الأسبوع الماضي فتح باب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية وفق شروط "القانون التأسيسي المتعلق بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية"، الذي ينص على شرط أن يكون رئيس الجمهورية "تونسيا مسلما غير حامل لجنسية أخرى، وأن يكون مولودا لأب ولأم تونسيين وأن يكون بالغا من العمر خمسة وثلاثين عاماً على الأقل". وكان ائتلاف الاغلبية الثلاثي داخل المجلس المكون من حزب النهضة الإسلامي (89 مقعدا) وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية (29 مقعدا- يسار قومي) والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (20 مقعدا- يسار وسط) اتفق على ترشيح منصف المرزوقي لمنصب رئيس الجمهورية. ويملك الائتلاف الثلاثي أغلبية مريحة داخل المجلس في الوقت الذي يتطلب انتخاب الرئيس فقط أغلبية مطلقة (50 بالمائة زائد واحد). وبعد أداء القسم والتنصيب، يتولى رئيس الجمهورية تعيين رئيس الحكومة وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة. ويتوقع ان يتم ذلك خلال الأسبوع الجاري. وكان المرزوقي المعارض التاريخي لنظام بن علي، أعلن بعد يومين من فرار الرئيس السابق إلى السعودية نيته الترشح لرئاسة الجمهورية، وذلك لدى وصول المرزوقي إلى تونس بعد سنوات من الحياة في المنفى. والمرزوقي بملامحه السمراء ووجهه الذي يعكس وهج الصحراء ونظَّارته التي تنشِّط خيال رسّامي الكاريكاتير شخصية عنيدة وتملك موهبة مخاطبة الجمهور بجمله الموجزة والمعبرة. "مدافع عن حقوق الإنسان" وعُرِفَ منصف المرزوقي (66 عاما) بدفاعه المستميت عن حقوق الإنسان وبمعارضته الشرسة لنظام زين العابدين بن علي. وانضم المرزوقي عام 1980 إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وأصبح رئيسها عام 1989. وأحيل في 1993 إلى القضاء إثر تأسيسه لجمعية الدفاع عن المساجين السياسيين. وفي 1994 خلع من رئاسة الرابطة فردّ على ذلك بالترشح لرئاسة الجمهورية. ووُضع في آذار/ مارس 1994 في السجن الانفرادي لمدة أربعة أشهر، وحُرم من جواز سفره، وأطلق سراحُه في تموز/يوليو إثر حملة وطنية ودولية، تدخّل فيها الزعيم الجنوب أفريقي نلسون مانديلا. وأسس المرزوقي عام 1997 مع عدد من المناضلين، بينهم الناشط السوري هيثم مناع، اللجنة العربية لحقوق الإنسان وترأسها حتى العام 2000. كما أسس في 2001 مع العديد من المناضلين والقوى السياسية التونسية المجلس الوطني للحريات. وفي 2001 ايضا أسس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي حضرته السلطات في عهد بن علي. حليف للإسلاميين ويشيد البعض بمبدئية المرزوقي ونضاليته لكنهم، وخصوصا اليساريين، ينتقدون اقترابه الصيف الماضي من الإسلاميين. في حين يرى آخرون في ذلك براعة سياسية كبيرة أتاحت له تحقيق نتيجة جيدة في الانتخابات، حيث لم يسعَ مثل باقي أحزاب اليسار التونسي التي منيت بهزيمة انتخابية إلى استعداء الإسلاميين، لكنه ركز على إزالة آثار النظام الفاسد السابق. واختلف المرزوقي مع رفاق دربه من اليسار العلماني ممن وصفهم ب "اليسار العلماني والفرنكفوني القديم المنقطع كليا عن القضايا الحقيقية للشعب التونسي"، وذلك بداية من 2003 خصوصا في الموقف من إسلاميي النهضة. ومع أنه لم يغير البتة من موقعه اليساري فإنه اقترب من الإسلاميين خصوصا بسبب إيمانه الشديد بضرورة التمسك بالهوية العربية الإسلامية. وهو ما ساعده في حملته الانتخابية الأخيرة. وبهذا الشأن، قال المرزوقي بعد الانتخابات الأخيرة: "النهضة ليست الشيطان، ويجب عدم اعتبارهم طالبان تونس، إنهم فصيل معتدل من الإسلاميين". غير أن ذلك لم يمنعه من التأكيد على وجود "خطوط حمراء" لا جدال فيها مثل "الحريات العامة وحقوق الانسان وحقوق المراة والطفل". "شخص نزيه" والدكتور منصف المرزوقي طبيب وناشط حقوقي ومفكر وكاتب سياسي ولد في 7 تموز/يوليو 1945 في قرنبالية (30 كلم جنوب شرق العاصمة) لأسرة تتحدر من قبيلة المرازيق بالجنوبالتونسي. وهو دكتور في الطب من جامعة ستراسبورغ (1973) الفرنسية ومتخصص في الطب الباطني والطب الوقائي وطب الأعصاب وحائز على إجازة في علم النفس من كلية العلوم الإنسانية بجامعة السوربون، وتولى تدريس الطب في جامعة ستراسبورغ. كما أنه أستاذ سابق بقسم الأعصاب بتونس وأستاذ للطب الحديث بجامعة باريس. وفي تونس تولى تدريس الطب في جامعة سوسة (140 كلم جنوب شرقي العاصمة) من 1981 إلى 2000. وفي 1995 منع من إجراء أي بحث علمي. وفي العام 2000 طُرد من كلية الطب بسوسة. ووصف المرزوقي نظام بن علي بالفاسد وأطلق عليه عبارته الشهيرة: "لا يَصْلح ولا يُصْلح". فصدر ضده حكم بالسجن لمدة عام. لكن هذا الحكم قوبل بضغوطات دولية على الحكومة التونسية ليرحل المرزوقي بذلك إلى فرنسا حيث واصل نضاله في المنفى. غير أنه عاد في عام 2006 إلى تونس دون موافقة السلطة للدعوة إلى عصيان مدني بهدف إسقاط نظام بن علي، ولكنه رحل إلى فرنسا بعد 5 أيام تعرض خلالها إلى الترهيب والتضييق الشديد من قبل الشرطة السياسية لنظام بن علي. ويرأس المرزوقي المتحدر من الجنوبالتونسي حالياً حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (يسار قومي) الذي أسسه بنفسه. وحقق هذا الحزب بفضل سمعة زعيمه وحنكته بشكل خاص، نتيجة لم يتوقعها المحللون وفاز ب 29 مقعدا في انتخابات المجلس الوطني التاسيسي ليحل ثانيا بعد حزب النهضة الإسلامي (89 مقعدا). وحصل المرزوقي على العديد من الجوائز الحقوقية وكتب العديد المؤلفات في السياسة والأدب والطب منها: "الإنسان الحرام" و"إنها الثورة يا مولاي" و "الرحلة" و"حتى يكون للأمة مكان في هذا الزمان" و"في سجن العقل".