أكاد أجزم أن علاقتي بالصين بدأت مع بيرل باك وروايتها العظيمة "الأرض الطيبة"، ويبدو أن هذه العلاقة لن تنتهي مع وائل بن عثمان. وائل هو قصة أخرى سأحدثكم عنها فيما يلي، ولكنني أود أن أبدأ بالحديث عن بيرل باك التي فتحت عيني على هذا الشعب العظيم الذي لانعرف عنه أكثر من مقولة جوج ومأجوج أو القول المأثور "أطلبوا العلم ولو في الصين". قرأت الرواية مرة ومرتان وثلاث ولا أظن أنني سأمل من قرائتها على رغم طول البعد، وسأنصحكم جميعاً بأن تقرأوها وتعطوها لأولادكم ليقرأوها. لازالت ذاكرتي تختزن مشهد السيدة التي ذهبت إلى الحقل لتؤدي عملها اليومي في الحصاد وفاجأتها آلام المخاض وهي وحيدة، فإنجضعت بين سنابل القمح وأنجبت مولودها وقطعت حبله السري وألقمته ثديها للرضعة الأولى، ولفته ببعض الخلقات التي ترتديها ثم أكملت عملها وكأن ماقامت به هو أمر يمكن أن يحدث يومياً، وعادت تحمل طفلها الوليد وحزمة القمح التي سيحملها زوجها فيما بعد إلى السوق. الصين في ذاكرتنا هي ثورة ماو تسي تونج الذي جمع مئات بل آلاف الملايين من الصينيين حوله ضد الاستعمار والأنظمة الإمبراطورية الفاسدة، تبنى نظرية الشيوعية التي بشر بها كارل ماركس في الشمال السوفييتي لكنه صنع نموذجه الخاص الذي جنب هذه الآلاف المليونية من المجاعات، كنا نكره ماو تسي تونج كما نكره كل الشيوعيين في العالم إبتداء من لينين حتى فيديل كاسترو ومروراً بجورج حاوي آخر الشيوعيين العرب. لم أكن بعيداً تماماً عن الصين، حيث زرت جزيرتها المنشقة تايوان، يوم كنا لانعترف إلا بها ممثلة للشعب الصيني، كانت الزيارة بمعية أستاذي تركي العبدالله السديري في إطار دعوة رسمية من حكومتها، وأذهلني يومها قدره هذا الجنس البشري على الإنتاج والإبداع في كل المجالات، بدءاً من التقليد المتقن ووصولاً إلى الإبداع الإنتاجي، كنا نقف عند زوايا الشوارع نشاهد موظفي الشركات يقفون بانتظام أمام عربات الغذاء ليتناولوا وجبة خفيفة قبل عودتهم إلى مكاتبهم ومواقع إنتاجهم. هنا يأتي دور وائل بن عثمان الشاب السعودي الذي اصطحبني ومجموعة من الصحافيين السعوديين إلى مدينة تيانجين بالقرب من بكين حيث يقع مجمع من تسعة مصانع بتروكيماوية تمتلك الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" خمسين بالمئة من ملكيتها بالمشاركة مع شركة ساينوبك الصينية، وائل هو السعودي الوحيد في إدارة هذا المجمع الصناعي، ويتولى مسؤولية إدارة التخطيط الإقتصادي للشركة. لست في حاجة للقول أننا ملأنا الفخر بوائل الذي يحظى باحترام وتقدير زملائة ومرؤوسيه من الصينيين، ولن أملأ فضولكم بالقول أنه قضى خمس سنوات في هذه البلاد حتى أتقن لغتها، واصطحب زوجته التي تدرس في المرحلة الجامعية وطفلهما. ومن المؤكد أن سابك تشارك في إدارة هذه الشراكة القوية من خلال مجلس الإدارة، إلا أن وجود وائل على رأس العمل اليومي يشير بقوة إلى قدرتنا على الإنجاز حينما نريد أن نفعل. وائل بالطبع ليس نسيج وحده، ذلك أن إدارة شركة عالمية بحجم سابك يستدعي وجود مجموعة من العقول الشابة التي تديرها وتنشر استثماراتها وإستحواذاتها على خريطة العالم من تيانجين إلى بيونيس أيرس، والذي جعل منتجاتها تحظى بثقة صناعات كبيرة وشهيرة، فلم نكن ندري أو نعرف أن أجزاء من كثيرة من سيارات رانج روفر أو بي إم دبل يو هي من منتجات شركتنا السعودية العالمية، ولم نكن نعرف أن نوافذ الطائرات التي نركبها بصفة يومية تقريباً هي من منتجاتها. الصين هي أرض طيبة كما وصفتها بيرل باك، ولكن أرضنا التي أنجبت شاباً مثل وائل بن عثمان هي أرض طيبة بكل تأكيد، وقوتنا تأتي ليس من نفطنا ولكنها تأتي من قدرتنا البشرية التي يمثلها مثل هذا الشاب الرائع.