كانت أمّي إذا شاهدت مباراة كرة قدم حامية الوطيس على شاشة التلفزيون وهي تتحوّل إلى عراك بالأيدي وتكسير للأقدام بين فريقين، تتمنى لو أن القائمين على مثل هذه الهمجية الرياضية يجمعون جميع اللاعبين ويغلقون عليهم الملعب ويتركونهم ل "يتدابغوا حتّى تقرّ رؤوسهم"!. ولو كان لي من الأمر شيء في هذا البلد، لعملتُ برأي ورؤية أمّي وجمعت المختلفين من فريقي "المطاوعة" حسب التعبير الشعبي و"الليبراليين" حسب التعبير الدخيل, في قاعة من إحدى قاعات الحوار الوطني التي لا تفتح إلا مرة في السنة دون فائدة، وأثرت جميع مسائل الحسبة والتكفير والاختلاط والخلوة والتغريب والعلمنة واللبرلة والانفتاح، وأغلقت عليهم وتركتهم ل "يتدابغوا حتّى تقرّ رؤوسهم"!. لقد أظهر "الردح" العلني وغير العفوي الذي انتشر في مختلف وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة والإلكترونية، حتى وسائل الإعلام الجديدة من مواقع اجتماعية تفاعلية ووسائط رقمية؛ مدى ردّتنا الفقهيّة وتخبّطنا المفاهيمي، ذلك أن ما يحدث ليس حوارا فكريّا وليس حراكا مجتمعيّا وليس نقاشا علميّا، وإنّما هو لغط وإسفاف تفنّن كلا الجانبين في تمرير أقذع ألفاظه وأسوأ مصطلحاته وأدنى مفاهيمه تجاه الفريق الآخر. وليس أمر من الأمور التي أثيرت مؤخرا بين المعسكرين سيؤدي إلى مؤدّى حقيقي، ذلك أن ما حدث ويحدث حتى اللحظة من تعقيبات وتعليقات ما هو إلا حميّة جاهليّة لآراء متطرّفة جامحة في الخروج عن الديدن السائد، وآراء متطرّفة جانحة إلى التشبّث بعرى التوقّف عن التطوير أيّا كان، وبين هذا وذاك لا نجد شأنا حيويّا يساعد المجتمع ويدعمه باتجاه استنهاض الهمم نحو التحرّك الحقيقي الذي يصنع أفرادا منتجين، بل هو يزيد من تعميق الهوّة السحيقة التي بدأت فوهتها تتسع الجميع. (عناوين)