(ذكرت صحيفة الجزيرة في عدد الخميس الماضي أن اللواء منصور التركي المتحدث الأمني لوزارة الداخلية كشف عن معاناة المجتمعات الإنسانية من سوء الفهم الخاطئ لشباب الإسلام حول معنى الجهاد وكيفية تطبيقه. وقال في محاضرة ألقاها في جامعة الملك سعود عن «الفئة الضالة.. وسائل وأساليب التغرير والتجنيد» إن الجماعات المتطرفة قد استغلت هذا الجانب في تحقيق أهدافها ومصالحها الشخصية مستخدمة الشباب في ذلك، وهو ما أعطى تأثيرا سلبيا على انطباع المجتمع العالمي عن الإسلام ضمن هذه الرؤية). وهو بلا شك قد تطرق لجزء من المشكل، والتطرف كسلوك ينبع من الفكر أولا الذي تغذيه المرجعيات الدينية المتشددة، وبلادنا تعاني من ذلك. وانظروا إلى حجم الفتاوى التي انهمرت علينا كالسيل العرم خلال سنتين أو ثلاث سنوات فقط، وباستثناء الفتاوى الشاذة التي تثير السفسطة دون فائدة مرجوة فإن بقية الفتاوى كانت تغذي الفكر المتطرف بشكل أو بآخر. ولاحظوا رفض المتشددين لكل مشروع داعم لمسيرة التنمية والتقدم في البلاد، والسجال القائم بين الحداثي والتقليدي، أو بين السني والشيعي، أو بين المنفتح والمنغلق، لنخلص إلى أن الفكر المتطرف ما يزال كامنا تحت الرماد، يبرز أحيانا في هيئة مقالات وآراء وفتاوى تؤجج الرأي العام، وتزيد معدل الاحتقان بين أطياف هذا المجتمع العاطفي والعفوي، كما أنها تثير الحماس لدى فئة الشباب الذي يعاني من الفراغ والبطالة وانعدام الدخل. ومن منطلقات أممية وليست وطنية، تفوح رائحة تلك الكتابات من خلال مواقع الشبكة العنكبوتية، حيث تضخ ملايين الرسائل الإلكترونية بشكل عشوائي، تحت مبرر الخوف على شباب ونساء الوطن من التغريب واللبرلة والعلمنة وإشاعة الفاحشة (حسب تعبيراتهم السقيمة)! إن الحوار وتبادل الآراء الإيجابية أمر حضاري وجميل، ولكن هناك أمور مصيرية تمس أمن الوطن وتدمر شبابه لا يقبل فيها الحوار ولا الجدال، هذا إذا افترضنا أن لدى الطرف الآخر قابلية أصلا للحوار! لقد كتبنا كثيرا بأن الحل يكمن في احتواء هؤلاء الشباب بالتوظيف، وإنشاء المرافق الترفيهية كالمسارح ودور السينما وإعمار النوادي الرياضية والثقافية والمهنية، وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني. لقد ولى زمن الخطاب الوعظي، وجاء زمن الخطاب الفعلي، فلم تعد تلك الأساليب التقليدية سوى مدعاة للتندر والتهكم بين أوساط الفئة الكبيرة في مجتمعنا، ألا وهي فئة الشباب، الذي يتردى بين المقاهي وأرصفة الشوارع.. ويكفي.