إذا أردنا أن نعرف إلى أيّ مدى وصل تخلّفنا فلننظر إلى موائد طعامنا، فليس هناك منتج واحد زرعناه بأيدينا في أرضنا، حتى الخضروات أصبحت تأتينا بأيد هندية وبنغالية مغذّاة بمياه الصرف الصحي في مزراع على أطراف مدننا المتخمة. واصبحت الذبائح الباكستانية والصومالية تنافس الأغنام البلدية، وأخشى بعد فترة أن تجد من يولم لك على (قعود) لتكتشف أنّه من صادرات أستراليا التي تعاني من زيادة في عدد الجمال فتضطر إلى قتلها. حين لا يكونُ الشيء بُدّاً، ويبدأ في التكرار أمامك يصبح لا بد منه، ولم يكن السعوديون يعرفون الرز لأنّه ليس من خيرات أرضهم، فالدخن والدقيق والبرّ ومختلف الحبوب كانت الغذاء الرئيسي على موائدهم، وعندما بدأ الرز يدبّ دبيب النمل في البطون وعلى الموائد، وأصبح أسهل وأرخص وأسرع وجبة يتمّ إعدادها، تربّع السيد الرزّ على عرش الوجبات الوطنية، التي تعكس مدى استهلاكنا لسلعة ليست من أرضنا ولا ثقافتنا لتصبح الوجبة الشعبية الأولى. لم يسأل إنسان واحد نفسه عن هذا التحوّل النمطي في الغذاء، ولم يتسائل مفكّر عن تبعات سنّ سنة مثل هذه، سواء على الناحية الاستهلاكية أو الاقتصادية أو الصحية أو الثقافيّة حتّى، فعندما تقام معارض سعودية في الخارج تأتي (الكبسة السعودية) كأولى الأكلات الوطنية، في حين أننا سنقع في حيص بيص لو انقطعت إمدادات الرز من آسيا، وسنفاجأ بأنّ لا وجبة وطنية لدينا ! لو أردنا أن ندرس النمط الاستهلاكي وتغيّراته المخيفة خلال الثلاثين عاماً الماضية فعلينا أن نضع السيد الرزّ على قائمة المؤشرات الحيوية التي تصوّر تراجع الإنتاج الوطني لمصلحة المستورد المُهلِك، وتتذكرون جميعكم أزمة ارتفاع أسعار الرز الأخيرة وما نتج عنها من مأساة وطنية تصدّرت صفحات صحفنا. لي صديق لو جرّبت أن أدعوه على وجبة إفطار في فندق الإنتركونتتنال وجبة غداء في أفخم مطعم أسماك، وعشاء على أفخر الأكلات الشعبية، فسيبات حزيناً منكّس الرأس وهو يشكو: جيعان .. ما أكلت رزّ ! (إبراهيم الأفندي)