مؤسف -حقاً- ما وصل إليه بعض السعوديين في شبكات التواصل من تطرف وجهل وغوغائية، تجعل المتابع يشك في كونهم يعيشون معنا في هذا العصر نفسه. بالأمس القريب كشف رئيس فرع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة (سابقاً) الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي أنه تلقى تهديدات بالقتل عبر «تويتر»، على خلفية تبنيه الرأي الفقهي القديم قدم الإسلام نفسه، الذي يجيز للنساء كشف وجوههن، إضافة إلى ظهوره عبر برنامج تلفزيوني تقدمه الزميلة المبدعة «بدرية البشر»، بصحبة زوجته من دون تغطية وجهها. الهجوم على الغامدي لم يتوقف عند التهديد والوعيد، بل شمل القذف وتشويه السمعة، ولعل اللافت أن معظم الحسابات المتورطة في هذه الجرائم الإلكترونية، هي ذاتها المتورطة دائماً في تفعيل «الوسوم» المناوئة للدولة، من خلال إثارة «غوغاء التقنية» ضد كل خطواتها الإصلاحية والتنموية، بجانب عدد من الحسابات «الداعشية» المتربصة، و«الإخوانية» المشهورة بهربها الكبير عبر نزع شعار الأربعة أصابع عن صورها، هلعاً من المحاسبة القانونية بعد صدور قائمة الجماعات المحظورة من وزارة الداخلية. وبالطبع لا يمكن إغفال وجود مهاجمين للغامدي من العوام والمجاهيل، الذين اعتادوا ركوب موجات الصراخ والعويل، معتقدين بأنهم بذلك يسجلون لأنفسهم بطولات تسهم في زيادة عدد متابعيهم وتعريف الناس بهم، هذا أمر معتاد ويحدث يومياً في شبكات التواصل، لكن السؤال الذي ينبغي أن نجيب عنه هو: هل يستحق التصريح باتباع رأي فقهي قديم، مثل «القول بجواز كشف الوجه»، كل هذا العويل والاستقطاب والحدة التي برزت في رد الفعل التويتري على الغامدي؟! ولماذا لم يقتل الفقهاء القدماء بعضهم بعضاً عند اختلاف رأيهم في هذه المسألة؟ في مؤلفه العظيم «سيكيولوجية الجماهير»، يشير المفكر الفرنسي الراحل غوستاف لوبون إلى أن الفرد العادي بمجرد أن ينضوي داخل صفوف جمهور معين، فإنه ينزل درجات عدة في سلم الحضارة، ويصبح همجياً متوحشاً، لا يمكنه استخدام عقله بشكل سليم، بعكس لو كان مستقلاً وبمعزل عن هذا الجمهور. ويضيف لوبون أن الفرد المنخرط ضمن جمهور معين (ناشطي تويتر مثالاً) يصبح -لا إرادياً- مقوداً بغريزته، ويتصف بعفوية الكائنات البدائية وعنفها وضراوتها، ويصبح أيضاً عرضة للتأثر بالكلمات والصور التي تقوده إلى اقتراف أعمالٍ مخالفة لمصلحته الشخصية. ويلخص المفكر الفرنسي المسألة كلها بقوله: «الجمهور دائماً أدنى مرتبة من الإنسان المفرد في ما يخص الناحية العقلية والفكرية»، مشيراً إلى أن الجماهير غالباً ما تكون «مجرمة»، ومن السهل اقتيادها نحو المذبحة؛ انتصاراً لمنهج ما أو فكرة معينة؛ لتميزها الدائم بسرعة الانفعال والنزق والعجز عن المحاكمة العقلية وانعدام الرأي الشخصي والروح النقدية، بجانب مبالغتها في العواطف. ما سبق يفسر لنا بوضوح كيف تسير أمور «عربان» عصرنا في شبكات التواصل، ويضعنا قبل ذلك أمام إجابة علمية ومنطقية للسؤال الذي عنونت به هذه المقالة. هاني الظاهري نقلا عن "الحياة"