دين الإسلام جعله الله تعالى كاملا وشاملا لجميع جوانب الحياة كما قال عز وجل: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، ومن عظمة هذا الدين أنه يأمر بإتقان الأعمال سواء أكانت في الدين أو الدنيا، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وفي سنده ضعف من جهة الإسناد إلا أن معناه صحيح وتدل له أصول وقواعد الشريعة..ففي أمور الدين نجد أن الشريعة الإسلامية قد رتبت الأجر العظيم على إتقان العبادات وأدائها على الوجه الأكمل ففي شأن الصلاة يقول الله تعالى (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) مع أن المصلي إذا أدى الصلاة ولم يخشع فيها فصلاته صحيحة ما دامت مكتملة الشروط والأركان لكن الحث على الخشوع فيها من باب الحث على الإتقان وأداء هذه العبادة على الوجه الأكمل.. كما أن الشريعة الإسلامية قد حددت مواقيت لكثير من العبادات ولو أداها المسلم قبل وبعد وقتها لم تصح منه.. وكل ذلك من أجل غرس معنى الانضباط والإتقان للعمل لدى المسلم.. لا يمكن لأي مجتمع من المجتمعات أو أية أمة من الأمم أن ترتقي وتكون في مصاف الأمم المتقدمة ما لم تصبح ثقافة الانضباط لدى أفرادها في أعلى مستوياتهاوهذا الأمر ليس فقط في أمور الدين بل حتى في أمور الدنيا ولذلك جاء في الحديث الصحيح أن من علامة المنافق أنه إذا وعد أخلف.. ومع عناية الشريعة الإسلامية بإتقان العمل والانضباط المطلوب من المسلم إلا أننا نجد أن ثقافة الانضباط في مجتمعنا ضعيفة في الجملة، وهذا الضعف كان الأثر في محدودية إنتاج الموظف وعطائه وكان له الأثر كذلك على مخرجات التعليم.. والأمثلة لذلك كثيرة.. انظر -مثلا- إلى تسابق كثير من الطلاب إلى التغيب في أول ايام الدراسة وفي آخرها وفي الأيام التي تسبق أو تتبع أية إجازة وتشوفهم للإجازات تلو الإجازات، بل حدثني أحد أولياء الأمور أن ابنه لا يذهب للمدرسة كل يوم أربعاء هو وكثر من زملائه وأن المدرسة (الأهلية) تقرهم على ذلك ولا تتخذ معهم أي إجراء! وتقف الجهات المسؤولة إما عاجزة أو غير مبالية بحل هذه الإشكالية، وهذه الظاهرة نجدها واضحة في مجتمعنا وإلا ففي مجتمعات أخرى – وخاصة في الدول الصناعية المتقدمة- نجد أن مستوى ثقافة الانضباط عاليا، وقد ذكر لي أحد أساتذة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أنه كان يدرس في أحد معاهد الجامعة في الخارج يقول: كنت أتوقع أن الطلاب عندهم مثل الطلاب عندنا يتغيب أكثرهم في المحاضرة الأولى، ولذلك لم أحضر لهذه المحاضرة يقول: تفاجأت بحضور جميع الطلاب وعدم تغيب طالب منهم من المحاضرة الأولى!.. ومن الأمثلة كذلك ضعف إنتاجية الموظف وخاصة الموظف الحكومي فيتأخر كثير من الموظفين في الحضور ويتعجلون في الانصراف مع كثرة الاستئذان والخروج من العمل ولهذا لو جمعت الوقت الحقيقي لعمل الموظف لوجدت أنه في كثير من الأحيان لا يتجاوز نصف وربما ربع عدد الساعات المطلوبة منه.. إن المطلوب منا جميعا –وخاصة أرباب التربية والتعليم والخطباء والكتاب ذوي التأثير في المجتمع- أن نسعى لغرس ثقافة الانضباط وتعزيزها وأن نستخدم في ذلك أساليب الترغيب والترهيب.. فإنه لا يمكن لأي مجتمع من المجتمعات أو أية أمة من الأمم أن ترتقي وتكون في مصاف الأمم المتقدمة ما لم تصبح ثقافة الانضباط لدى أفرادها في أعلى مستوياتها..