لا أدري إلى أيّ مدى نودّ أن ينطلق حصان التغيير في ميادين موروثاتنا ؟ هل نودّ لهذا الحصانِ أن ينطلق إلى أقصى الشوط أو إلى منتصفه، أو ربما إلى ربعه أو أقل أو أكثر ؟ لا أدري، لكنَّ ما أدريه هو أنَّ على امتداد هذا الشوط تنتصبُ حواجز رفيعة جدا، وكثيرة جدا أيضا، لذلك لابد من تمرين هذا الحصان ما يكفي للقفز على الحواجز قبل الانطلاق به في الشوط خشية أن يسقط مع أول حاجز. أمَّا التغيير نفسهُ فهو يبدأ من فكرة لا يمكن لها أن تتحرَّك على أرض الواقع مجرَّدةً من كلِّ حيثيَّاتها.. وأهمُّ تلك الحيثيَّات هو أن نحمل المجتمع داخل هذه الفكرة قبل أن ننتقل بها من مكانٍ في مساحة الوعي إلى مكان آخر، عبر إعادة صياغة المفاهيم الموجودة أو ابتكار مفاهيم جديدة إضافية، وليس عبر تسخيف أو هدم القيم الاجتماعية أو الدينية السائدة مهما كانت لا عقلانية، وحسبنا من ذلك كلِّه ما قاله الشاعر العربي الكبير محمود درويش : (ما نفعُ فكرتِنا بلا بشرٍ...). أمَّا التغيير نفسهُ فهو يبدأ من فكرة لا يمكن لها أن تتحرَّك على أرض الواقع مجرَّدةً من كلِّ حيثيَّاتها.. وأهمُّ تلك الحيثيَّات هو أن نحمل المجتمع داخل هذه الفكرة قبل أن ننتقل بها من مكانٍ في مساحة الوعي إلى مكان آخر. لا شكَّ في أن تجويف الوعي في عقولنا - نحن البشر - يحوِّلنا إلى عوامّ أو ربَّما إلى هوامّ، حيث نرى بعض العقول المجوَّفة تمارس عمليَّةَ رفض الآخر في مجتمعها. ناهيك عن الآخر في المجتمعات المختلفة. إذن، فإنَّ تجويف الوعي خطير، لكن في الوقت نفسه فإنَّ تجريفَ الوعي من جذوره تجريف كامل أخطرُ من تجويفه، إذْ لا يمكن محوُ منظومة الأفكار التي يلتزم بها المجتمعُ محوا مطلقا ودفعةً واحدة، وإنما يمكن ترميمها أو ترشيدها. إنَّ نماذج هدم القلعةِ وبنائها من القاع في الحركات التصحيحية أثبتت فشلها عبر التاريخ إذا استثنينا الأنبياء، والسبب هو عدم وجود الإنسان الكامل القادر على البناء بعد أن انتهت المرحلة النبوية. إضافةً إلى ذلك فإنَّ الحقيقة مساحةُ عملٍ وليست نقطةَ وصول, وهذا يعني أنَّنا لا يمكن لنا انتزاعها دفعةً واحدة، وإنما نبقى ننتزعها فضاءً فضاءً حتى الموت.. الموت الذي هو حقيقتنا المطلقة، وكأنَّنا بذلك كنَّا نلعب (الغميضة) مع الحقيقة طَوال الحياة، ولم تنكشف لنا إلا حيث لا ينفع الكشف.. أو ربما ينفع.. من يدري؟!!!