تحظى النخلة في مختلف مناطق المملكة بالاهتمام البالغ منذ القدم فهي شجرة طيبة مباركة وهي أيقونة للخير والنماء ، وكونها تأقلمت مع بيئتنا الصحراوية شديدة الحرارة قليلة الماء فإنها كانت ولاتزال تنتج أطيب الثمر الذي كان في يوم من الأيام الغذاء الرئيس وربما الوحيد أوقات القحط والمجاعات التي مرت على الجزيرة العربية. تبقى الجهود النوعية للحفاظ على هذا المنتج الغذائي الاستراتيجي محل تقدير من الجميع لكن هل بالفعل أن هناك عشرة ملايين نخلة في الأحساء وملايين النخيل في المناطق الأخرى تواجه الآن عقوقاً من أبنائها ؟!وعلاقة آبائنا وأجدادنا مع النخلة علاقة وطيدة وثيقة هذه العلاقة التي كان يزداد خطها البياني ارتفاعاً وصعوداً إلى ما قبل ثلاثة عقود حيث قل الاهتمام بالنخلة والتمور فهبط الخط بشكل حاد مع الطفرة الأولى حيث ازدادت القوة الشرائية وارتفع النهم الاستهلاكي مع وجود البدائل الغذائية العديدة وخياراتها الكثيرة المعروضة بشكل جذاب والتي تدعمها فرق التسويق التجارية باعلاناتها القوية الأمر الذي أثر كثيراً على مكانة التمور وكمية استهلاكها في البيوت وخاصة لدى الجيل الجديد من الجنسين. وقيمة النخلة في زمن مضى أكبر من أن توصف فقد كان الفلاح يخدمها ويرعاها طوال العام ويكرمها بالعناية والاهتمام ويستفيد من كل جزء منها من رطبها وتمرها وسعفها وليفها وعذوقها وكربها وجذوعها وحتى جذرها في الطعام والبناء والصناعات اليدوية التي ابتكر الأولون منها جميع مستلزماتهم اليومية واحتياجاتهم الحياتية. يحدثني صديق أنه قبل أربعين عاماً اراد أحد أقاربه أن يبني في مزرعة والده عددا من الغرف والمجالس والممرات ورغم حرص ذلك الرجل على أن تكون مساحة البناء في الجزء الخالي من المزرعة إلا أنه اعترضتهم نخلة مثمرة في الوسط فشاور هذا الرجل أباه في قطع النخلة لكي يستقيم البناء ويكتمل فرفض ذلك الأب رفضاً قاطعاً أن يتم قطع هذه النخلة ولم يستطيعوا اقناعه أبدا إذ أنه كان يعتبر قطع نخلة مثمرة خطأ فادحا وجرما كبيرا تجاه هذه النخلة التي قضى نصف عمره وهو يرعاها فاضطروا أخيراً إلى إكمال البناء بتصميم جديد يتفادون فيه قطع هذه النخلة. والحق أن النخيل في الأحساء واجهت الكثير من الأزمات من أهمها تغير نظرة الناس للمزارع ففي وقت كانت هي مصدر الرزق والعمل والغذاء أصبحت بعد الطفرة مكاناً للترفيه ومقراً للاستراحات ومكاناً للمناسبات الاحتفالية ، وكذلك من المشاكل التي أثرت تأثيراً بالغاً على النخيل قلة الماء والآفات الزراعية وخاصة السوسة الحمراء وكذلك من المعضلات التي يواجهها المزارعون الآن انخفاض قيمة التمور عن ذي قبل فقد كان ( المن ) من تمر الخلاص الممتاز المكون من أربع قلال بوزن مائتين وأربعين كيلو غراما يباع سابقاً بثمانية آلاف ريال الآن لا يتجاوز سعره الألفي ريال ولذلك أسباب كما يقول المزارعون وتجار التمور فالأمر يتعلق بكثرة العرض وقلة الطلب وزيادة الانتاج والاكتفاء في مناطق المملكة المختلفة للتمور وتقدم موسم التمور في بعض مناطق المملكة عن موسم ( الصرام ) في الأحساء وضعف التسويق والتصدير وعدم تبني هذا المنتج المفيد غذائيا في الصناعات الغذائية المحلية. إلا أن ما يؤسف له حقاً هو أنه لم يتبق من الفلاحين المواطنين إلا عدد قليل جداً وأغلبهم من المسنين إذ أن المزارع تحول العمل فيها إلى الوافدين الذين عرفوا سر مهنة زراعة النخيل وفهموا أدق تفاصيلها في الوقت الذي لا يعرف الجيل الجديد من النخلة إلا ما ندر. وتبقى الجهود النوعية للحفاظ على هذا المنتج الغذائي الاستراتيجي محل تقدير من الجميع لكن هل بالفعل أن هناك عشرة ملايين نخلة في الأحساء وملايين النخيل في المناطق الأخرى تواجه الآن عقوقاً من أبنائها ؟! twitter: @waleed968