إذا كانت للسلطة اغراءاتها الجامحة التي لا تقاوم، فإن لها أيضا مسئولياتها التي لا يمكن الهروب منها إلى الأمام، من خلال القفز على النتائج التي قادت إلى هذه السلطة، وكثيرة هي الفرص التي تتاح لأناس لم يسهموا في صناعة هذه الفرص، التي يمكن تشبيهها بالشجرة.. سهر عليها زارعوها، والأسباب هي في الغالب غير موضوعية، أمكن قطف ثمارها من قبل أناس لم يسهموا في زراعتها أو حتى سقياها والعناية بها، وإذا بتلك الشجرة التي أثمرت فرصة ذهبية، وقد اختطف ثمارها انتهازيون، ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، ومع ذلك كانوا يتربصون بها الدوائر، ويخططون لعزل أصحابها، وابعادهم عن الاستفادة منها، استنادا على بعض شهادات الزور التي يمكن أن تلبس أقنعة الشرعية، ولا يهمهم ان دفع ثمن هذه الانتهازية أو الشرعية سمها ما شئت أولئك الساهرون على تلك الشجرة حتى أينعت وحان قطافها. هذه هي حال بعض الفرص.. المفاجئة بالنسبة للبعيدين عن مسرح الأحداث، والمفاجئة أكثر لأصحاب الحق فيها، وإن لم تكن مفاجئة للذين خططوا وتآمروا واستأسدوا للوصول إليها، والسطو عليها على مرأى ومسمع من الجميع. ثمة فرق بين اغراءات المنصب ومسئولياته، ومن يخضع لاغراءات المنصب لن يفكر في هذه المسئوليات، كما أن من يفكر في هذه المسئوليات لن يفكر في تلك الاغراءات، فهي لا تعنيه بقدر ما يعنيه تحقيق المصلحة العامة، وحماية ذلك المنصب من المنتفعين الذين يخططون لاستثمار جهود غيرهم لتحقيق مصالحهم الذاتية.. ينسون أن ثمة قوى ليست خفية قادرة على انتزاع ما اغتصبوه، وتصحيح أي اعوجاج قد ارتكبه الانتهازيون الباحثون عن السلطة لتمرير أجندتهم المرسومة لتنفيذ مخططات لا يراد بها الخير، ولا يرجى منها الخير. المؤلم أن بعض المشاهدين لهذه المسرحية الكوميدية، قد يقتنعون بأن ما يرونه هو الواقع، وهو في حقيقته واقع مزيف، فرض عليهم رغم احتجاج قطاع كبير من المعارضين، وهم أصحاب تلك الشجرة الذين كان أملهم كبيرا بأن يكون نصيبهم من تلك الثمار بقدر اجتهادهم في تحقيق منجزهم الذي تحقق على أيدي السواد الأعظم ممن يهمهم الأمر، وتعنيهم النتائج، ويتمنون أن يستفيد الجميع من جهودهم، لا فئة واحدة اعتمدت على اقصاء غيرها، ولجأت إلى العنف للتمسك بما حصلت عليه، مع أنها فشلت فشلا ذريعا في المحافظة عليه. هذه حال الباحثين عن السلطة.. لا يتورعون للوصول إليها عن ارتكاب المخالفات، وتحدي الواقع، والإصرار على مجابهة من يختلفون معهم، والعناد بعدم التسليم بالأمر الواقع، والرضوخ لرفضهم من أصحاب الشأن، ولا كرامة لإنسان يصر على البقاء في منصب يعرف أن هناك من يرفضه، ولا بقاء لإنسان في منصب وأمامه قوة قادرة على عزله، ولا حكمة لدى إنسان يعرف أن اصراره على البقاء في هذا المنصب سيجلب الدمار عليه وعلى غيره، وسيكتب التاريخ أنه تسبب في فتن وخلافات لا تحمد عقباها. ثمة فرق بين اغراءات المنصب ومسئولياته، ومن يخضع لاغراءات المنصب لن يفكر في هذه المسئوليات، كما أن من يفكر في هذه المسئوليات لن يفكر في تلك الاغراءات، فهي لا تعنيه بقدر ما يعنيه تحقيق المصلحة العامة، وحماية ذلك المنصب من المنتفعين، والساعين إلى ركوب أمواج الانتهازية لعلها توصلهم إلى مبتغاهم، وهم يعرفون أن الغرق في لجج تلك الأمواج أمر لا مفر منه. هذه حالة يمكن تعميمها على الأفراد والجماعات والدول، رغم اختلاف التفاصيل، وتنوع الأهداف، وتعدد الوسائل، وهي في مجملها ذات نتائج كارثية، سيتحملها ليس من يرتكبها فقط، بل كل من هو قريب منهم، وكل من ساقهم حظهم العاثر إلى اللقاء بهم في طريق واحدة.