مهما تحدثنا عن آثار الراحل الكبير د عبد الرحمن السميط الشيخ والمبشر بالإسلام والمنقذ الإنساني لأفريقيا فلن نعطيه حقه ، وليس ذلك كلمة تعبير دارجة يستخدمها الناس في النعي ..كلا ، فهي في ترجمة د السميط وفي العرض المهني الإعلامي أو الإسلامي أو الإنساني لعطائه سنجدها كلمة معبرة فعلياً عن حياة هذا الرجل التي أوقفها في حياته بمشاركة عائلته بقيادة زوجته العظيمة أم صهيب وتفاعل أعضاء هذه الأسرة مع المهمة الأسطورية للشيخ المبارك . إن خلاصة المشروع الذي نفذه د. السميط في أفريقيا انتهى إلى تحقيق حلم كبير لمشاريع الدعوة والإغاثة لهذه القارة المنكوبة بنموذج إنساني إسلامي شرقي احتضن أفريقيا ولم يستغلها ، وكان هذا المشروع يداً ممدودة من رجال الشرق الإسلامي الذين تآخوا مع أفريقيا منذ طلائع بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم إليها وكانت بعثات سلمية إنسانية كرسّت مفهوم الإخوة الإنسانية بين الأفارقة والعرب كما الآسيويين في هذه الرابطة التي توحدهم في الدنيا وتعدل بينهم وتجعل مآلهم إلى الآخرة تحت طاولة العدل والرحمة التي تُفاضل بينهم بالتقوى فقط . هذه الرسالة المهمة جداً كانت مفصلاً قرأته مبكراً في مشروع د السميط وهي ما حقّقت له مع أسباب أخرى صعود رسالته الإغاثية والإنقاذية حتى كادت لجنة مسلمي أفريقيا - العون المباشر - أن تتصدر قلوب شعوب أفريقيا السمراء في ميدان التجاوب الإغاثي والفكري لرسالة الإسلام بكل دياناتهم ، حيث دشّن السميط فكرة البلاغ الأممي في أفريقيا التي كانت احد أصول الوعي الشرعي - : أنا أُغيثك وأساعدك لأنك أخي الإنسان .. ثم قرّر هل تختار معي رسالة السماء التي تنقذنا جميعاً في درب الحياة - . هذا المفهوم الذي غاب عن كثير من أنشطة الدعوة وتياراتها كان حاضراً في عقل ووجدان د. السميط وكان سبباً في صناعة استراتيجيته التي عبرت بنجاح مذهل جعلها تُقلق الإغاثة المسيّسة والدينية المتعصبة لمجلس الكنائس العالمي ، فقرّر حينها أن يستهدف مشروع د. السميط ، حتى لا يُشكّل منافساً لمعونتهم المشروطة ضمنيا أو كلياً ، فالسميط يصنع متنفّساً للبؤساء الأفارقة بدور رعاية ومدارس ومؤسسات تعليمية تحتضنهم وتؤويهم وتعرض عليهم بعدها خيار الدرب المضيء للحياة الاسلامية ، لقد شعر مجلس الكنائس العالمي ومؤسساته الفرعية في أفريقيا وقواه التبشيرية النافذة في واشنطن وحكومات الغرب ، أن السميط ليس داعية تقليديا ولا إمام مسجد ولا واعظا لكنه صاحب مشروع يؤمن به ويعيشه ويرعى فلسفته التي تهدد ابتزازهم وما يعقبه من هيمنة سياسية واقتصادية للغرب ، وهو المشروع الاستعماري الذي لم تغب شمسه عن أفريقيا حتى اليوم . ورغم أن د. السميط حرص على عدم الاشتباك مع هذه القوى بل وعرض التعاون معهم إنسانياً لكن الرؤية الاستراتيجية الانسانية التي حملها مشروعه كانت تُشكل خطراً على البعد الاستعماري والتعصب الصليبي للمنظمات الدولية الطائفية المدعومة من الغرب ، وإن كان هذا لا يُلغي الهدف والحس الإنساني والعطاء المتجرد لبعض الجهات والشخصيات الغربية ، لكنها لا تُشكل نسبة تُذكر أمام برنامج مجلس الكنائس والمنظمات الحليفة التي تُصب عليها أموال التبرعات البديل للضرائب بالمليارات، فيما كان د. السميط يكافح بتبرعات وأوقاف شعبية إسلامية محدودة باركها الله فأثمرت وزان حصادها لإنقاذ أبناء أفريقيا . لقد كانت منظمات الأممالمتحدة ومجلس الكنائس العالمي تُدرك أنشطة د. السميط واللجنة الإغاثية والإنسانية الصرفة ، وحرصه على تجنيب مشروعه لأي تداخل سياسي ، ولكنها كانت تريد استهدافه ، فاستخدمت التحريض عليه وتفاعلت جهات رسمية عدة ضده لإرضاء المشروع الدولي لا قناعة بأي اشكال لهذه الجمعية التي رعت وأغاثت عشرات الملايين في أفريقيا من المسلمين والنصارى والوثنيين ودخلوا عبر انسانيتها الاسلامية في دين الله أفواجاً . إن هذا الهدف المركزي في تخطيط مشروع أفريقيا الإنسان والإسلام للدكتور السميط هو الهدف المركزي الذي يجب أن تلتف عليه جهود الإغاثة والدعوة بذات الفلسفة حتى يعود مشروع د. السميط يُمطر على الأفارقة خيراً وبراً وحصادَ حسانات على قبره رضي الله عنه وأرضاه . لقد قدم د. السميط دروساً أخرى لكل من يسعى للإغاثة الدعوية ونحتاج إلى تجديدها ، فتجنّب كليّاً مصادمة الطرق الصوفية التي تهيمن على هوية غالبية الأفارقة وكانت كثير من القبائل قد دخلت في الإسلام عن طريق رجال انتسبت لها هذه الطرق ، ولم يكونوا أهل بدع وانحراف بل تصوف قلب وتجرد عمل ففتحت لهم القلوب ، لكن وكما يجري حين تندرس المعالم النورانية والسنة المحمدية فتطغى الانحرافات رويداً رويدا حتى تكون طقوس الطريقة وحظوظ بعض شيوخها ، أكبر من معالم الذكر وتدريب السالك على الإخلاص والثبات فتأكل الأولى الثانية وينحرف بسببها فئامٌ من الناس . غير أن أبا صهيب أدرك أن الميزانيات الضخمة من المليارات التي رصدت لحروب طائفية ضد الطرق الصوفية وتكفيرهم ولم تخل من تسييس يستغل التجييش ليست في صالح الدعوة وليست في صالح إنقاذ هذا المسلم المنحرف ، وكم كان يُكرر أمامي منذ ان عرفته 1986 تألمه من آثار هذه المعارك السلبية ، لذا سلك صناعة الحق في التوحيد والعبادة بعيداً عن لغة الهجوم والتحريض والتجييش فكسبَ الناس في أفريقيا وداوى بعض انحرافاتهم العديدة بهدوء بجرعة تصحيح محبة مخلصة ، هذا هو الدرس الثاني وكم تحتاجه حركة فقه الدعوة اليوم . أما الدرس الثالث فهو قناعته بأن هذا المشروع يجب أن ينطلق مستقلّاً بإرادة إسلامية خيرية إنسانية حرة لا تتبع لا لتيارات دينية ولا جهات رسمية وتكون في مجالها ومسلكها الإداري ملتزمة بهذا الاستقلال حتى تتقدم في مشروعها بمنظور حسابات نجاح المشروع لا حسابات الجهة أو التيار الذي يحتضنها ، ومن ثم ساعده ذلك في الانفتاح على حكومات ومشيخات وشعوب عديدة ، كرس خلالها هذا التفوق النوعي . أما الدرس الرابع فالهيكلة الإدارية والمالية الدقيقة المبكرة وفكرة الأوقاف الاستراتيجية التي دشنها أبو صهيب مبكراً وساعدته كثيراً على الثبات في مشروعه . كل هذه الدروس وغيرها مدرسة يحتاج محبو الشيخ أن يضعوها هدفاً لتجديد دعم مشروع د. السميط الذي يجب أن ينطلق من جديد لبعث جمعية العون المباشر لتحمل صورة وبصمة شيخ أفريقيا وحبيبها د عبد الرحمن السميط ، اللهم أفض عليه من بركات إحسانك وجازه عنا ما لا يحتسبه ولا نحسبه.