أدت مبيعات عنيفة من الأجانب في الأسهم القيادية بالبورصة المصرية إلى نزول المؤشر الرئيسي بشكل حاد امس وسط بواعث قلق من عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد خشية تجدد أحداث العنف بعد مواجهات دامية بين الشرطة ومؤيدي الرئيس المعزول محمد مرسي يوم الجمعة. وخسرت الأسهم المصرية أكثر من سبعة مليارات جنيه (1.001 مليار دولار) من قيمتها السوقية امس وأوقفت إدارة البورصة التعامل على أكثر من 17 سهما بعد تراجعها أكثر من خمسة بالمئة. وقال هاني حلمي من الشروق للوساطة في الأوراق المالية «النزول كان متوقعا نتيجة ردود الأفعال العشوائية من قبل المتعاملين خوفا من الوضع السياسي في البلاد.» إمكانية تعرض بورصة القاهرة لمزيد من الضغوط البيعية في الفترة القادمة من جانب المستثمرين الأجانب الذين بدؤوا التخلص من الأسهم المصرية مبكراً، منذ بداية تعاملات الأسبوع الماضي، ما يدفع المستثمرين المحليين وبعض صناديق الاستثمار الأجنبية إلى انتهاج التوجه البيعي نفسه للأوراق المالية المصريةوقال حلمي «لا توجد حقائق واضحة على مستقبل مصر الآن من وجهة نظر بعض المتعاملين. أعتقد انها مسألة وقت... أنت تواجه جماعة لها جذور في البلاد من عشرات السنين.» واقترح رئيس الوزراء المصري حازم الببلاوي السبت حل جماعة الإخوان المسلمين وهو ما قد يقلل فرص التوصل إلى حل سياسي يشمل جميع الأطراف. وهبط المؤشر الرئيسي لبورصة مصر أكثر من 3.5 بالمئة في معاملات اليوم. وقال إبراهيم النمر من نعيم للوساطة في الأوراق المالية «السوق لم يستطع التماسك اليوم. المؤشر الرئيسي يستهدف مستوى 5275 نقطة ثم 5000 نقطة والذي يتوقع أن يكسره ليتمكن حينها من الصعود مجددا نحو 5600 نقطة.» وأظهرت بيانات البورصة أن تعاملات الأجانب مالت أكثر إلى البيع بعكس تعاملات المصريين والعرب. وقال حلمي «لو استمرت مبيعات الأجانب ستجد دعما عربيا لسوق المال، أنا غير قلق من مبيعات الأجانب، أنا متفائل جدا بمستقبل السوق ومصر وأثق في دعم الدول العربية لمصر في أزمتها.» وتعهدت السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت بتقديم مساعدات اقتصادية قيمتها 12 مليار دولار لمصر وصل بالفعل جزء منها نهاية يوليو. ويرى محسن عادل من بايونيرز لإدارة صناديق الاستثمار ان عدم استقرار الأوضاع السياسية في مصر مازال يمثل عنصر ضغط في القرار الاستثماري للمتعاملين. وبعد مرور أكثر من عامين على اندلاع الثورة المصرية التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك تواصل البورصة تباطأها وتعاني من تراجع أحجام التداول ونقص طرح أسهم جديدة وإحجام كثير من كبار المستثمرين الأجانب عن ضخ أموال جديدة. وامتد التأثير إلى ما هو أبعد من دوائر المال والأعمال في القاهرة والاسكندرية إذ ينظر للبورصة كمعيار للثقة في مناخ الأعمال ويؤدي ضعفها إلى عزوف الشركات عن استخدامها لتدبير التمويل. وقال عادل «البعض مازال يراهن على قدرة السوق على التعافي والخروج من هذه الأزمة بصورة أسرع مما كان يتصوره آخرون.» ومن جهة أخرى قررت بعض الشركات الأجنبية الموجودة في مصر وقف أنشطتها وإعادة موظفيها إلى بلدانهم في ظل أعمال العنف في البلاد، في وقت تراقب شركات أخرى تطور الوضع. وفي هذا الاطار، أعادت شركة «بويغ كونستروكسيون» الفرنسية التابعة لمجموعة بويغ خمس عائلات لموظفين أجانب وصل أفرادها إلى مطار رواسي في باريس صباح الجمعة. وبحسب معلومات صحافية فإن مجموعة فينسي الفرنسية للإنشاءات التي تعمل على المشروع نفسه قامت أيضا بإعادة موظفيها الأجانب إلى بلدانهم الجمعة. كذلك قامت شركة شل النفطية البريطانية بإغلاق مكاتبها في مصر حتى الأحد، «بهدف ضمان أمن موظفيها». وأكدت مجموعة الكترولوكس العالمية للاجهزة المنزلية، التزامها باستمرار نشاطها في السوق المصري، موضحة أن قرار تعطيل العمل يومي الأربعاء والخميس الماضيين، كان بصورة مؤقتة. وتبعتها في هذا القرار شركة جنرال موتورز الأميركية المصنعة للسيارات والتي أعلنت في اليوم نفسه تعليق إنتاج مصنعها المحلي الذي يوظف «أكثر من 1400 مصري». أما شركة لافارج للإسمنت فأعلنت أنها لا تعتزم في الوقت الراهن إغلاق معاملها أو ترحيل موظفيها الأجانب. وقالت متحدثة باسم شركة لافارج لوكالة فرانس برس «إننا نراقب بانتباه شديد الوضع. تم اعتماد تدابير وآليات للسلامة في المكان»، وأضافت ان «المصنع الرئيسي للإسمنت التابع للمجموعة في مصر موجود على بعد 200 كلم من العاصمة، ولا يزال يمارس نشاطه بشكل طبيعي». وتوظف شركة لافارج التي استحوذت العام 2008 على الأنشطة المتعلقة بالإسمنت لمجموعة اوراسكوم المصرية، نحو 2000 شخص في البلاد، لكن قلة منهم من الأجانب. وحاليا لا يزال 10 إلى 15 موظفا أجنبيا فقط يعملون في الشركة. من جانبها اتخذت شركة اورانج الفرنسية للاتصالات تدابير أمنية تشمل موظفيها ال6000 العاملين في مصر، خصوصا بالنسبة لشركة موبينيل التابعة لها، داعية إياهم إلى العمل من منازلهم. «أما بالنسبة للأشخاص الذين يتعين عليهم التوجه إلى مكاتبهم، فإن ساعات العمل تم تعديلها بشكل يسمح بالعودة إلى منازلهم قبل موعد حظر التجول». كما ان كافة مراكز البيع التابعة للشركة في البلاد «مقفلة». كذلك عمد عملاق الطاقة الفرنسي «جي دي اف سويز»، إلى «تعزيز» تدابيره الأمنية. أما منافسته الفرنسية توتال الموجودة من خلال شركة «توتال مصر» لتوزيع المحروقات، فأعلنت انها ستتخذ «كل الإجراءات اللازمة لتأمين سلامة موظفيها ومنشآتها». وقالت شركة باسف الألمانية إنها أغلقت عملياتها في مصر يوم الخميس بسبب العنف الذي يعصف بالبلاد. من ناحية أخرى قالت وكالة السياحة الاتحادية الروسية إنها لا تستبعد أن يتعرض عدد من شركات السفر في روسيا للإفلاس بسبب التطورات الحالية في مصر. وعلى جانب آخر توقع الخبراء العودة الجزئية لنشاط السوق السوداء للاتجار في العملة، بعد تعرض هذه السوق لضربات موجعة من جانب البنك المركزي في الفترة الأخيرة حتى كادت تختفي مع تقارب أسعار التداول في السوق السوداء مع الأسعار الرسمية للدولار وبقية العملات الأجنبية في البنوك. ويستند الخبراء في توقعاتهم بإمكانية عودة السوق السوداء للدولار، إلى تصاعد مخاوف المواطنين من عودة الأزمة الاقتصادية ونقص العملات الأجنبية وتنامي حجم الضغوط الخارجية الواقعة على الاقتصاد الكلي، لا سيما في ظل مواقف سياسية خارجية معادية، خاصة من جانب أوروبا والولايات المتحدة. كما تشير هذه التوقعات إلى إمكانية تعرض بورصة القاهرة لمزيد من الضغوط البيعية في الفترة القادمة من جانب المستثمرين الأجانب الذين بدؤوا التخلص من الأسهم المصرية مبكراً، منذ بداية تعاملات الأسبوع الماضي، ما يدفع المستثمرين المحليين وبعض صناديق الاستثمار الأجنبية إلى انتهاج التوجه البيعي نفسه للأوراق المالية المصرية، وينعكس سلباً على مؤشرات البورصة في الفترة القادمة. ويرى خبراء اقتصاديون أن حالة الاضطراب الاقتصادي الراهنة لن تدوم طويلاً، نظراً لتصميم الدولة على التصدي لكل مظاهر العنف وتجاوز القانون، وأن فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال إن كانت تؤثر سلبياً على الأداء الاقتصادي العام على المدى القصير، فإنها سوف تسهم في سرعة استعادة الهدوء والسيطرة الأمنية، الأمر الذي يعيد فتح الأبواب مجدداً أمام حركة النشاط الاقتصادي. ويشير الخبراء إلى أن ثمة مساعدات عربية اقتصادية سوف يتم التعجيل بإرسالها إلى مصر في الأيام القليلة القادمة على خلفية التطورات السياسية والأمنية بالبلاد، وسوف تمنح هذه المساعدات مصر مزيداً من القدرة على الصمود وتجاوز المرحلة الراهنة، لا سيما في ظل تأييد شعبي واسع لعملية فض الاعتصام والرغبة في إنهاء مظاهر العنف بالبلاد.