«إطعام» جمعية خيرية تقوم بعمل جليل بالفعل تصحح من خلاله ممارساتنا الخاطئة، فهذه الجمعية الخيرة تجمع الزوائد من أطعمة المناسبات وتقدم ما يصلح منها وبصورة لائقة من حيث التعبئة والتغليف والتوزيع للجهات المحتاجة. وهذه مهمة تُذكر لتُشكر، لكن لماذا نطلب طعاماً يفيض عن الاحتياج؟ وهذه سمة عامة أثبتتها الدراسات؛ إذ يبدو أن مقدار ما يبقى -للأسف لنرميه في القمامة أو لنتخلص منه- يزيد عما نستهلكه، وهذا بالفعل سلوك علينا مراجعته بل وتغريمه، فهو يتناقض مع القيم الاسلامية التي تناهض التبذير والبطر، ثم أن أجيالاً من سكان جزيرة العرب عانت من الجوع وكانت ترتحل من مكان لآخر بحثاً عن لقمة العيش، وها نحن نلقيها في القمائم! ويبدو ضرورياً أن تتحرك الأمانات والبلديات لردع هذه الظاهرة، وبذلك ستوفر مليارات من الريالات تنفق كل عام على عقود النظافة في طول البلاد وعرضها. سيحدثك أحدهم ويجادل بأن هذه هي العادات والتقاليد، وكأن الكرم هو أن تمارس تبذيراً وبطراً وانتهاكاً للنعمة وللقمة. أيهما أهم ممارسة عادات تقوم على أن يتربع «المفطح» وسط ثلاثة أو أربعة أشخاص ليُرمى الجزء الأكبر منه بعد ذلك أم أن نحافظ على الموارد الزراعية والمواشي وعلى أموالنا لاسيما أننا نستورد الأرز ونستورد المواشي ونستقدم من يعدّ الولائم والموائد؟! ومن الصعب الدفاع عن إعداد كميات هائلة من الطعام يمكن أن تطعم عشرات أضعاف المدعوين، فهي ممارسة لا تبعد كثيراً عن رمي الأموال في الشارع! نعم، فأنت تذهب لمن يعد لك طعاماً وتدفع له مالاً ثم ترمي لنقل ثلثي ما طلبته من طعام، أي أنك في المحصلة رميت ثلثي ما دفعته من مال. أذكر في أول رحلة لي للولايات المتحدةالأمريكية أن دعاني أحدهم للعشاء، وكنت محل حفاوة وترحيب أما العشاء فكان عبارة عن مكرونة وسلطة وبعض الخضراوات، فوجئت بهذا «البخل»، لكن مع مرور الوقت أخذت أدرك أن ما يُقدم لك من طعام ليس هو مقدار الكرم فأنت في نهاية المطاف لن تأكل اكثر مما تستطيع أكله وهو محدود وقد يصل إلى جزء من العشرين من المفطح، وأن الاكرام الحقيقي هو حفاوة الاستقبال والاهتمام وأن يشعرك المضيف أنك قد أسعدته بحضورك. أما ما نمارسه في حفلاتنا فهو أقرب إلى رغبة المضيف في ابهار ضيوفه؛ نريد أن نبهر الضيف ليخلص لإحدى اثنتين: إما أن يقضي أياماً يحكي عن اندهاشه بالدعوة وكيف أن الجماعة قاموا بواجبه، أو أن يصمت من الدهشة فلا يكون بوسعه أن ينتقد شيئاً. والقضية ليست ضد «المفاطيح» بل ضد رميها دون أن تؤكل، ولست ضد الموائد الممتدة والتي تكفي سبع كتائب بل ضد أن يكون عدد المدعوين لتناول كل ذلك الطعام لا يتجاوز سبعة أشخاص. أعود لأقول إن جمعية إطعام الخيرية لها الفضل في ترميم أخطاء نقوم بها لنتباهى ونتفاخر ببذل الكثير والكثير من الطعام، لكن لما نتفاخر برمي النعمة؟ ولما نتفاخر «بسفك» المال بلا داعي؟ وحتى إن إطمأن أحدنا ان البقايا ستذهب للجمعيات، فما ميزة ومتعة المبالغة في البذل لطبخ أطنان من الطعام وعشرات من الذبائح؟ أعود لأقول إننا من أقل بلدان الدنيا موارد زراعية وثروة حيوانية، فكما أسلفت نستورد الأرز البسمتي ونستورد «الهرفي»، ولذا فلزاماً علينا تعديل استنزافنا للموارد بدون سبب جوهري، فالمباهاة والابهار لا تعتبران من الأسباب الجوهرية والمقنعة لتبديد الثروات الزراعية والحيوانية ولتضييع الأموال المحترمة. ولعل تأسيس جمعية نسميها «تواضع» تساعد في تثقيفنا لنتجاوز مرحلة «الابهار بالاكثار من الطعام» إلى الاكرام بحسن الحديث والاستقبال. أما جمعية «إطعام»، فلكل قائم عليها ومساهم ومتطوع فيها تحية واحترام فما تقوم به عمل جليل ولعلها هي الأقدر لمساعدة مجتمعنا لنشر ثقافة الحفاظ على النعمة التي استخلفنا الله تعالى عليها. تويتر: @ihsanbuhulaiga