في الكلمة المخلصة الصادقة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى المسلمين في أنحاء الأرض، شخص كثيرا من أسباب الآلام التي تعتري الأمة الإسلامية جسداً وموقفاً وفكراً. وأولها هو البعد عن صفاء رسالة الإسلام الهادية إلى كل خير وسواء السبيل والمنذرة من كل شقاق وفرقة وفتنة. وهي الرسالة الخالدة التي جاء بها المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج البشرية من ظلمات الجهل والقهر إلى نور الحق والتسامح والمودة والتعاون على البر والتقوى. لهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة مهداة إلى العالمين وليس إلى المسلمين وحدهم ولا إلى قوم بعينهم أو أرض بحدودها. ويذكر خادم الحرمين الشريفين المسلمين بأنهم يحملون، بشخوصهم وأفعالهم وأفكارهم وسلوكياتهم، رسالة فريدة في هديها وسامية في عطائها وشموليتها، ومتقدمة في مبادئها لخلاص الإنسان من أهوال الكره والفرقة والحروب والعوز والفقر وكل مهددات حياة السلام الكريمة. وخادم الحرمين الشريفين الذي يعيش المسلمون في ضميره وعينه وقلبه، عبر عن ألمه مما يعتري الأمة الإسلامية اليوم، والحروب والدماء التي تسفك في جوانب أمة الإسلام والسلام وربوعها، وهي خير أمة أخرجت للناس فيما لو تمسكت بعرى الرسالة وهدي المصطفى الذي لم يترك معضلة كبيرة ولا صغيرة إلا بين حلولها ولا علة إلا وسطر علاجها. وكما بين خادم الحرمين الشريفين فإن أول واجبات المسلمين دينياً وأدبياً، وهم يستلهمون هذه الرسالة الإصلاحية العظيمة، هي أن يبدأ المسلمون عموماً، وزعماؤهم وعلماؤهم ومشايخهم على وجه الخصوص، الإصلاح بأنفسهم وأن يتفقوا على كلمة سواء، كما يأمرهم الله تعالى في كتابه الكريم وكما يحثهم هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم. وكان يجب أن يقدم المسلمون لأهل الأرض نموذجاً وضاء للحياة في كل شئونها وشجونها، في الحرب والسلم والغضب والفرح والعسر واليسر وفي الفقر والغنى وفي العافية والمرض. وواضح أن ما أصاب المسلمين من أوباء وأمراض ونزعات فرقة وتشتت وهوان في الأرض، إنهم حولوا الإسلام إلى أحزاب وجماعات وأيديولوجيات واتخذوا من بعض شيوخهم رهباناً وأولياء. وبدلاً من الالتزام بمبادئ الإسلام العظيمة ليحظوا بالنعمة والسعادة والتمكين والسلام والحياة الكريمة الهانئة، وظفوا الإسلام لمصالحهم وغاياتهم وتجاراتهم فتفرق بهم السبل عن سبيل الله وهديه، فأفسدت جماعات منهم في الأرض، بإرهاب الآمنين والبلاد المستقرة وسفك الدماء المعصومة، وتجرأت على حرمات الله، فتبددت كلمة الأمة وضعفت هيبتها وانتهبت حقوقها جزاء وفاقاً لآثام بعض أبنائها الذين يصدون عن سبيل الله القويم، بنبذ واجبات البيان الكريم واتباع أهوائهم ولي ألسنتهم ليوظفوا رسالة الإسلام لأهوائهم وغاياتهم وحروبهم ونزاعاتهم ومصالحهم فتستبد بهم الشياطين ويتبعون خطواتها وخبائثها ومنكراتها، فيحق الهوان على الأمة وتبتلى بالفرقة والنزاعات والحروب وكل ما نشهده هذه الأيام من آلام وبؤس.