منذ ما يزيد على أربعين عاماً ونحن نتطلع لتنويع الاقتصاد السعودي، بل ان مرتكزا مهما للخطط التنموية الخمسية وحتى العشرينية كان التنويع الاقتصادي، باعتبار أن 260 مليار برميل من النفط ستنضب يوماً أو سيوجد لها بديل من نوع أو آخر، لذا وتحسباً لكل ذلك فلابد من السعي حثيثاً لجعل اقتصادنا متنوع المصادر؛ أي أن يعتمد على النفط وغير النفط من الموارد كالصناعة التحويلية والزراعة والسياحة والتجارة والخدمات المالية إلخ. وليس من شك أن المملكة قطعت شوطاً في توجهها لتنويع الاقتصاد، لكن دون المستهدف في الخطط الخمسية. ولعل السبب هو عدم تقدم الأنشطة الاقتصادية غير النفطية بالوتيرة الملائمة، إذ يبدو أننا نضحي دائماً بالوقت، رغم أن الوقت هو المورد الأهم. وبالقطع سيخرج من يقول لك: ولم العجلة؟ وبالمقابل نرد عليه: ولم التباطؤ؟! فما دمنا قد وضعنا خطة زمنية فنحن ملزمون (نعم ملزمون) بتنفيذها أو الاعلان عن تعديلها وليس مقبولاً أن نتجاوز الخطط فنجعلها تموت قهراً وكمداً! وقد تحدثت عن هذا الأمر مطولاً في كتابي «اصلاح الاقتصاد السعودي» الذي صدر منذ نحو عشر سنوات، ولن ازيد هنا حتى انتقل إلى نقطة محددة. النقطة المحددة تتعلق بصناعة النقل الجوي والأنشطة المرتبطة به، فلدينا ناقل وطني ولكن لا يغطي الطلب المحلي! وقد أسس القطاع الخاص شركات واحترقت امواله في منافسة غير عادلة بدأت بتفاوت أسعار البنزين ولم تنته عند حد. وكلنا نشاهد كيف اننا نقطع الدنيا أسفاراً ونستقدم العمالة الوافدة لكن جل طيراننا على غير الناقل الوطني. ونحن نتفرج! نعم نتفرج لكن بدون أي متعة؛ فاقتصادنا احق بان يستفيد من الطلب المحلي بأن يكون لديه ناقل وطني لديه القدرة والسعة والخدمات الجوية والأرضية لاستقطاب الجزء الأهم من حركة النقل المحلية والاقليمية وأن يكون لاعباً مهماً على المستوى العالمي. ولم لا؟ نحن نمتلك اكبر اقتصاد عربي ونمتلك الاتساع الجغرافي ونمتلك المال في الخزانة العامة ولدى القطاع الخاص القدرة والرغبة. لم لا نعيد هيكلة الناقل الوطني هيكلة عميقة أو نؤسس شركة أو شركات أخرى. كل ذلك سيصب في خانة تنويع الاقتصاد الوطني، وهو هدف استراتيجي لا يمكن الحياد عنه. ثم ان هذا النشاط سيوفر قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ما يعزز نمو الناتج المحلي الاجمالي، وسيتيح فرص استثمار وفرصا وظيفية، وسيوفر مستوى أعلى من خدمات النقل الجوي إذ ليس مجدياً ان نستمر في تضييع الأهداف دون سبب واضح؟ كمواطن خليجي سعيد بل أكاد أن أحلق من السعادة بنجاحات الاماراتية والقطرية والاتحاد والعربية والعمانية لكن ماذا عنا نحن؟ هل «مشينا بوزنا ورمينا الفوطة» واقتنعنا بأن ما نحن فيه هو قمة الأداء في قطاع الخدمات الجوية؟ إن كانت الاجاية بنعم أم لا فنحن بحاجة إلى ايضاحات ليس عبر نشرة صحفية أشبه بالوصفات الطبية بل بتفصيل واضح لنعرف هل هناك خطة أو أفق لانتشال صناعة النقل الجوي السعودية مما هي فيه؟ وإن كانت هناك خطة فمتى ستنفذ وما هو مداها وما هو كنهها وسمتها. لست مبالغاً عندما أقول انه خلال الأشهر الماضية كانت لي قصة في كل مرة أغادر او أعود لأحد مطاراتنا: رحلة متأخرة أو ازدحام خانق في المطارات أو تأخر وصول الشنط، ولن استرسل فقد شاركتكم في بعض تلك القصص هنا، لكني أقول إن صناعة النقل الجوي حبلى بالفرص واننا نوزع هذه الفرص يميناً وشمالاً وفي كل اتجاه ولا أفهم لماذا: فهل تحولنا من فكر المنافسة إلى فكر الإيثار؟ وما تأثير تفويت الفرص على استراتيجية التنويع الاقتصادي؟. تويتر: @ihsanbuhulaiga