في منتصف رجب الفائت كنت في زيارتي الأسبوعية المعتادة لعمتي ، وقبل أن أجلس فاجأتني العمة بسؤال: هل انتهيت من شراء مقاضي رمضان ؟! طبعاً السؤال قد يكون طريفاً ومبكراً جداً في ذات الوقت إذ من سيشتري أغراض ومستلزمات رمضان قبل شهر ونصف من دخول الشهر الفضيل ؟! إلا أن سؤال عمتي العزيزة بالنسبة لي مبرر جداً وله أسبابه المنطقية ذلك أن التحول الاستهلاكي السريع لا تدركه امرأة كبيرة في السن شبه مقعدة لا تخرج من بيتها إلا قليلاً وفي زيارات نادرة في دائرة محدودة جداً ضمن المناسبات التي لا يسعها فيها الاعتذار والجميع يقدر لها ذلك لظروف السن والصحة . أين هؤلاء من شراء مستلزمات رمضان قبل هذا الوقت الذي يعتبر وقت ذروة يزداد فيه عادةً جشع بعض التجار واستغلالهم لهذا التهافت بالعروض الوهمية وتصريف السلع القديمة قبل انتهاء صلاحيتها ؟، ولماذا كل ذلك الإقبال الشديد في ملء عربات التسوق لتتحول البيوت إلى مستودعات للأطعمة سؤال عمتي المبكر هو في حقيقة الأمر يعبر عن سلوك اعتاد عليه الآباء قبل خمسين أو أربعين سنة حينما كان الناس يتهيأون للشهر الكريم بتوفير (المونة ) أو (الجازة ) قبل شهر أو حتى شهرين من دخوله وذلك لاعتبارات عديدة أهمها أن كثيرا من الآباء يكون عملهم خارج المدينة أو المنطقة فيستثمرون بطريقة استباقية فترة إجازاتهم القصيرة بتوفير احتياجات أسرهم وبيوتهم ، وهناك سبب آخر فالسلع الرمضانية لم تكن في ذلك الوقت متوفرة بالشكل الذي نراه الآن فيحرص الناس على شرائها وتوفيرها قبل نفادها هذا أمر ، الأمر الآخر أن ربة المنزل تحتاج آنذاك إلى الإعداد المسبق للأغذية الرمضانية لتكون جاهزة للطهي في رمضان ويحدثني صديق أنه كان دائماً ما كانت والدته تصحبه معها إلى بيت إحدى القريبات حيث تجتمع الجارات وكل واحدة منهن تصطحب معها كيسها المملوء بالقمح ويتشاركن في جو مفعم بالحب ومسكون بالألفة في تنظيف القمح وجرشه أو طحنه . كان ذلك اللقاء الدوري الأسري الحميمي يكون عادة في بداية شهر شعبان من كل عام . وإذا تأملنا هذه الصورة من جانب آخر فسنرى أن استعداد ربة المنزل في ذلك الحين لرمضان هو في الواقع من أجمل صور التخطيط والتدبير المنزلي إذ أن عليها واجبات لا تعد ولا تحصى فكثير من الأمهات في تلك الحقبة الزمنية تكون عليها التزامات أسرية عديدة تقوم بها دون تأفف أو ضيق بل برضا وطيب خاطر وسماحة نفس فقد تكون الواحدة منهن حاملاً في شهورها الأخيرة وتربي في ذات الوقت مجموعة من أطفالها وعليها أن تقوم بحلب الماعز أو البقرة وتنظيف البيت وجلب الماء وطهي الطعام وتلبية طلبات زوجها في وقت قياسي ولكم أن تتخيلوا كيف استطاعت الأمهات والجدات القيام بهذه الأعمال المنزلية المضنية وهن صائمات في أجواء صيفية شديدة الحرارة وفي افتقاد لوسائل وأجهزة التبريد ناهيكم عن أن الغالبية العظمى منهن لا يوجد لديهن من يخدمهن أو يقدم لهن المساعدة . ورغم قلة الطعام في ذلك الوقت ومحدودية أصنافه إلا أنه كان طعاماً طيباً مباركاً يكفي الأسرة ويزيد وكان طعاماً صحياً مفيداً لخلوه من المواد الحافظة والألوان الصناعية والإضافات والنكهات الكيماوية التي سببت الأمراض لجيل اليوم ولا تزال . وحينما أمر هذه الأيام على مراكز التسويق الكبيرة وأرى ذلك الازدحام الشديد وكأننا مقبلون على مجاعة أعود كرةً أخرى لأتأمل السؤال وأقول في نفسي : كم أنت محقة يا عمتي ؟ أين هؤلاء من شراء مستلزمات رمضان قبل هذا الوقت الذي يعتبر وقت ذروة يزداد فيه عادةً جشع بعض التجار واستغلالهم لهذا التهافت بالعروض الوهمية وتصريف السلع القديمة قبل انتهاء صلاحيتها ؟، ولماذا كل ذلك الإقبال الشديد في ملء عربات التسوق لتتحول البيوت إلى مستودعات للأطعمة التي يكون مآلها حاويات القمامة ؟. وبين سؤال عمتي المباغت وبين سلوكنا الاستهلاكي الشره يتبقى أن أهنيء الجميع بحلول شهر رمضان المبارك ، كل عام وأنتم بخير . twitter: @waleed968