شهر رمضان المبارك هو خير شهور العام والذي قال عنه رسولنا الكريم(صلى الله عليه وسلم) لو علمتم ما في رمضان من خير لتمنيتم أن تكون السنة كلها رمضان، لما فيه من نفحات روحانية جليلة لو تعرَّض لها المسلم لغَدَا بعد رمضان إنسانًا جديدًا مقبلاً على الطاعة ومتلهِّفًا للعبادة ،ومتطلعًا دائمًا إلى مرضاة ربه سبحانه وتعالى . ورغم أن شهر الصوم تقييد للشهوات من أجل تذوق معاناة المحتاجين لمساعدتهم الا ان شريحة كبيرة من المواطنين تندفع على شراء الأغذية بكميات كبيرة فتكتظ المراكز التسويقية بالمتسوقين في المساء والنهار لشراء السلع و تجد غالبيتها ترمى في القمائم. ولكن للأسف ما نشاهده مع بداية الشهر الكريم، هو النهم الشديد والولع بشراء حاجات لا حصر لها فشهر رمضان الكريم يأتي مع موسم إجازة الصيف وبعده عيد الفطر المبارك، ورغم كل هذا فالكل يحرص على شراء مستلزمات رمضان قبل أن يبدأ ،وقد صار رمضان شهرًا استهلاكيا في كل شيء ، فحسب تقديرات مختصين فإن إنفاق الأُسَر على الطعام والولائم يتزايد في شهر رمضان بنسبة تتراوح بين 30% و60% عنه في بقية أشهر السنة. ومظاهر الاستهلاك فيه مبالَغٌ فيها إلى حدّ كبير فلا يكتفي الناس بشراء كل مستلزمات هذا الشهر من الأسواق وتكديسها في المنزل أو بشراء كسوة العيد فقط بل يقومون بتغيير حتى أثاث البيت والديكور والدهانات وحتى الأجهزة الكهربائية وأدوات المطبخ واستبدال السجاد والموكيت بآخر جديد وتكثر الولائم الرمضانية وإعداد الخيام المكلفة أمام المنازل. . فلماذا هذا الهوَس الاستهلاكي في شهر رمضان الكريم؟ وهل تستشعر القلوب وسط هذه الاهتمامات المادية روحانية ونفحات الشهر الجليل ؟ وكما ان المراكز التجارية والأسواق في جدة أربكت الحركة المرورية بكثرة المتسوقين وجاء نجاح تلك المراكز بعدما تحولت الشوارع المجاورة إلى عربات البضائع التي لا يستطيع الإنسان تحريكها وتجد المواطن يدفع أكثر من عربة. استنزاف الموارد عدد من المواطنين أكدوا ل(الندوة) ان هذا الشراء المكثف عادة رمضانية تستنزف موارد الأسرة يجب مكافحتها واستئصالها بالتوعية. ويقول المواطن بدر الحربي قبل أن يبدأ شهر رمضان نستعد له بميزانية خاصة ونقوم بالنزول إلى الأسواق لشراء كل ما يلزم من احتياجات في هذا الشهر الكريم الذي اشتهر بكثرة الاستهلاك للمواد الغذائية ولا يستطيع أحد منا الاستغناء عن هذه الطقوس التي باتت معروفةً طوال الشهر الكريم ،ويؤكد ، كثير من المواطنين يعلنون إفلاسهم في شهر رمضان نظرًا للمبالغ الخرافية التي ينفقونها في هذا الشهر الكريم سواء في الشراء من الأسواق أو شراء ملابس العيد وتغيير أثاث المنزل والسيارة ،والكل اعتاد على ذلك بحكم العادة.أما المواطن عبدالله الزهراني فقال: ان اندفاع بعض الأسر لشراء السلع الاستهلاكية بشراهة يرجع لرب الأسرة لكيلا يضطر لتكرار الشراء وهو صائم، إلا إنني ارى انه بالإمكان إرجاء الشراء الى ما بعد الإفطار حيث يوجد متسع من الوقت للتسوق دون الحاجة لشراء هذه الكميات..: وأضاف ان تخزين السلع الغذائية أصبح عادة متأصلة وتحتاج لبث الوعي لاستئصالها من سلوكنا اليومي. أما صالح الخزمري فيقول :كنا في البداية نقوم بإعداد ولائم رمضان من كل أصناف الطعام ،فكان هذا يؤثر بشكل كبير على مصروف البيت ،وقد يلقى ثلث الطعام في القمامة، ونظل نأكل بقية العام طعامًا بسيطًا كالجبن والفول ،ولكن بعد هذا قررنا أن نقتصر في طعامنا على صنف أو اثنين كالثريد واللحم مع الخضار والسلطة والعصير أو الفاكهة والتقليل من الحلويات، وقد وجد الأولاد في البداية صعوبةً في التعوُّد على ذلك ولكن بعد مدةٍ اعتاد الكل على هذا الأمر وأصبح شهر رمضان من أيسر الشهور في العام وأكثرها بركةً. ويؤيده احمد العلي بقوله في السابق كنا نتهافت على شراء السلع الاستهلاكية لرمضان من أطعمة ومشروبات خاصة به إلا انه في ظل تعاقب السنين تبين لنا أننا نستهلك أكثر من ربع مشترياتنا مما يعرض البقية للتلف إضافة للضرر المادي حيث يوجه جزء كبير من الميزانية للإنفاق على القيام في شهر فضيل الهدف منه تذوق معاناة المحتاج لا الانقياد لشراء كل ما تشتهيه النفس .وان المشكلة لا ترجع الى قلة الوعي بقدر ما هي عادة اجتماعية علينا ان نكافحها بإتباع الترشيد في الإنفاق والشراء بشكل تدريجي وبكميات معقولة. ويرى ان الزحام الآن أصبح عادة المجتمع وان الأغلبية لا تذهب الى الأسواق الا بعد الإعلان عن دخول رمضان مما يسبب هذا الزحام، كما ان المراكز التجارية لاتعلن عن تخفيضاتها الا مع اللحظات الأخيرة لدخول شهر رمضان فيما تضاعف الزحام خاصة انه لاتسجل الان تخفيضات تذكر وكلها مجرد دعاية وإعلانات. ضبط واقتصاد وحول هذه القضية يقول الدكتور سالم باعجاجة الخبير الاقتصادي المعروف:إن رمضان الكريم هو شهر الاقتصاد وليس الإسراف الذي اتبعه الكثير من الناس وصار بدعةً وضد تعاليم ديننا الحنيف الذي يأمرنا بعدم الإسراف، فإذا كان الإنسان يتناول في الأيام العادية ثلاث وجبات فإنه في هذا الشهر الكريم يتناول وجبتَي الإفطار والسحور فقط حتى في تناوله إيَّاهما لا ينبغي أن يُكثر من الأكل والشرب فيهما. يجب على المواطن التعقل في القرارات الشرائية فلا يسرف اذ ان التوازن مطلوب. ويجب حماية المستهلك من الغش التجاري والارتفاع غير المبرر للأسعار، مشدداً على أهمية العناية بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه والحفاظ على حقوقه والدفاع عنها وتبني قضاياه ونشر الوعي الاستهلاكي والتعريف بسبل الترشيد، و اكساب المستهلكين الثقافة الاستهلاكية والشرائية الواعية ومحاربة الغلاء بالترشيد. وإذا نظرنا إلى حال الناس الآن فسوف نأسف للغاية بسبب الإقبال الشديد على الإسراف المادي طوال شهر رمضان الكريم حتى تكاد روحانيةُ هذا الشهر وفضائله الجليلة تتوارَى ولا يشعر بها أحد من هؤلاء المتكدِّسين على أبواب المحلات التجارية قبيل بداية الشهر الكريم لشراء كل ما تشتهيه أنفسهم ،وأيضًا ما لا يحتاجون إليه، وعلينا ألا ننسى الحكمة من الصوم وهي التقوى والتقرب إلى الله عز وجل . ويشير الدكتور باعجاجة إلى بعض الوسائل العملية التي قد تنفع الناس في ضبط ميزانية شهر رمضان وعدم الإسراف فيها ،وأيضًا تعمل على تأليف القلوب وتقارب الناس مع بعضهم البعض وهو تبادل الإفطار كل يوم عند أحد الأهل أو الجيران أو الأصدقاء، فلا ينبغي أن نكثر من الأصناف ونعدّ الولائم ،بل لابد من توصيل المعنى والغاية من صوم هذا الشهر لا بد من التوازن في كل شيء حتى نشعر بخير الشهور عند الله بدلاً من ضياع الوقت فيه سواءٌ بالتفكير في الأكل والشرب واللبس . تفريغ المستودعات وقال الخبير الاقتصادي فضل بن سعد البوعينين أن نجاح الحفاظ على الأسعار من الغلاء هو في تضافر جهود الجهات المختصة من خلال تفريغ مستودعات التجار وتحديد الأسعار عبر الملحقيات التجارية في سفارات المملكة بالخارج لتزويد وزارة التجارة والصناعة بأسعار المواد الغذائية المستوردة وقيمتها الحقيقية لمنع التلاعب في رفع الأسعار. وأضاف بأن التجار تحايلوا على الدعم الحكومي للمنتجات التي صدر بخصوصها الدعم مثل الأرز والحليب المجفف والدقيق، وليس مستغربا غياب بعض المواد الغذائية الأساسية عن الموائد الرمضانية أو الأسواق المحلية”. وأبان أن أي دعم إضافي للمواد الغذائية سوف يترجم في النهاية إلى زيادة هامش الربح في جيوب التجار في حال غياب الرقيب والمتابعة الحقيقية للأسواق من قبل الجهات المختصة. و أن التضخم الذي نراه في الأسعار قد شمل جميع السلع وخصوصاً المواد الاستهلاكية والخدمات وهي التي تؤثر في حياة المستهلكين لأنه يتعامل معها بشكل يومي .وإذا ما أردنا قياس نسبة التضخم في الأسعار فإننا لا نقيسه على سلعة معينة ولكن نأخذ سلة معينة من السلع الشائعة الاستخدام للقياس عليها . عادات متوارثه ويعلق الدكتور سعيد بن مسفر المالكي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز على هذا الموضوع بقوله: انتشرت في مجتمعاتنا هذه العادات المتوارثة الإسراف في رمضان عادات متوارثة يجب مكافحتها ونودّ هنا أن نبعث لإخوتنا في كل مكان رسالةً ولا نقول لهم لا تأكلوا ،ولكن كلوا واشربوا بدون إسراف ويا حبذا لو غلَّفوا الطعام المتبقي ووزَّعوه على الفقراء.فرغم أن شهر رمضان يجب التقليل فيه من طيبات الحياة كي يشعر المرء بحلاوة الطاعة ويقدر على القيام بالعبادة كما شرعها الله عز وجل ولا يثقل جسده بالكثير من الطعام والشراب حتى لا يتكاسل عن الطاعة. ومن المهم والضروري أن نتبع سنة حبيبنا المصطفى- صلى الله عليه وسلم- ومن ثم لا يضيع الوقت الثمين للشهر الكريم في إعداد الطعام والوقوف في المطبخ من بداية الشهر لآخره، ومن ثم لا تجد الزوجة وقتًا للطاعة والعبادة ،وما أكثرها وأعظم أجرها خاصةً في هذه الأيام المباركة فالإفطار لا يعني الإكثار من الطعام بل يكفي أن نلتقي مع الأهل والأقارب والأصدقاء.فالمرأة التي تظل طوال العام تعمل ويأتي شهر رمضان و التي تعطي وقتها وحياتها وصحتها وجهدها للبيت والزوج والأبناء آن الأوان أن تعطي لنفسها الحق في التقرب إلى الله عز وجل وتخطط لوقتها وعملها في هذا الشهر الكريم.ويضيف بأن على الأزواج أن يعينوا زوجاتهم على ذلك وألا يثقلوا عليهن في طلبات المنزل وإعداد الطعام وولائم الإفطار حتى يجدن الوقت والجهد للطاعة والعبادة. وإن دخول رمضان مع إجازة الصيف ومناسبات الزواج وإلى عيد الفطر ومن ثم بدء المدارس كل هذه بالفعل تؤدي إلى الاستنزاف بأكثر من ذي قبل و أن من الحلول التي من الممكن أن تجاوز هذه المواسم هو معالجة قضية الأسعار، وتكثيف الرقابة من قبل وزارة التجارة على محلات بيع المواد الاستهلاكية والمنتجات الغذائية والملبوسات وحتى المكتبات حيث ارتفعت أغلبية الأسعار خلال الفترة الماضية بشكل غير مبرر .