بعد فوز حسن روحاني المدعوم من الاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية الايرانية على الجبهة المتشددة المسيطر على مقاليد الحكم في إيران وحصوله على 50.7 في المئة من إجمالي أصوات الناخبين مثل صدمة لكثير من المراقبين للمشهد الايراني. وقد تلقيت كثيرا من الانتقاد بسبب مقالي السابق (روحاني مرشح الإصلاحيين الوحيد في مقابل تشتت المحافظين: قراءة في توازنات إيران الداخلية) والذي كان قبيل يوم من الانتخابات وذلك لعدم تفاؤلي بقدرة الاصلاحيين على المنافسة واعتقادي بأن المعركة الانتخابية ستكون داخل البيت المحافظ المتشدد وليست من خارجه. غفل كثير من الذي انتقدني ان المقال كما قلت قراءة في توازنات ايران الداخلية وكمراقب دقيق للمشهد الايراني فقد كانت قراءتي مقسمة الى قسمين رئيسين القسم الاول كان عبارة عن تحليل للارضية الطبيعية للانتخابات اذا كانت تسير بشكلها الطبيعي وقد بينت ان الاصطفاف الجديد التي اقدم عليه التيار الاصلاحي بانسحاب محمد رضا عارف من سباق الانتخابات لصالح المرشح الإصلاحي والمعتدل حسن روحاني وذلك للحيلوله دون توزع اصوات الناخبين بين عدة مرشحين وتجميعها كلها لمرشح واحد في مقابل تشتت مرشحي الجبهة المتشددة بين ثلاث شخصيات وعدم قدرتهم على الإتفاق على مرشح واحد يمثلهم كان برأيي اصطفافا جديدا قد يغير معادلة الرئاسة في ايران لصالح التيار الاصلاحي. اما القسم الثاني المتشائم حسب قراءتهم فقد كان عبارة عن ربط بعض المعطيات الحقيقية على الارض والتي غفل عنها كثير من المراقبين او المحللين والتي كنت اعتقد انها سوف تغير من مسار العملية الانتخابية. وقد اجملت هذه المعطيات في ثلاثة معطيات اساسية. المعطى الاول غياب وتهميش الحركة الاصلاحية سياسيًّا طوال الثماني السنوات وحجز قياداتها في الإقامة الجبرية والاستمرار في التضييق على الناشطين التابعين لهم والمنظمات التي تقدم الدعم لهم. المعطى الثاني الذي بنيت عليه هو اقصاء رفسنجاني من الترشح وهو صاحب خطاب معتدل ويحظى بقدر من الشعبية بين الإصلاحيين بسبب دعمه للحركة المعارضة في عام 2009. والمعطى الاخير الذي غاب عن كثير من المراقبين وهو إقصاء ترشيحات عدد كبير من الإصلاحيين من الترشح لانتخابات المجالس البلدية والقروية من بينهم محسن هاشمي رفسنجاني نجل الرئيس الاسبق رفسنجاني وترشيح الإصلاحية معصومة ابتكار العضو في المجلس البلدي المنتهية ولايته لطهران بسبب تزامنها مع الانتخابات الرئاسية. هذه هي المعطيات التي بنيت عليها قراءتي للتراكمية للمسار الانتخابي في ايران لكن حسب قول احدهم ان الساحة الايرانية حبلى بالمفاجآت. ومن هذه المفاجآت التي لا زلت اكررها هي قرار مجلس صيانة الدستور إقصاء رفسنجاني من الترشح لعدم اهليته وهو رئيس تشخيص مصلحة النظام المعين من قبل المرشد الأعلى والتي اعتبرتها بمثابة مفارقة هزلية لا يمكن أن تحدث إلا في ايران. اما على المستوى الخارجي فهي رسالة لمحاولة اعادة بناء جسور التواصل مع العالم والتي تأزمت اما بسبب الاستمرار في مقارعة المجتمع الدولي بسبب ملفها النووي والذي ادى الى عزلها دوليا واما بسبب تأزم علاقاتها الاقليمية بسبب تدخلها السافر والمشين والدموي في الملف السوري أو في ملفات أخرى كالبحرين واليمن ولبنان والعراق وأفغانستان المواكبة مع العقوبات الاقتصادية التي أنهكت اقتصادها لكن ما يمكن قراءته من وصول حسن روحاني وهو الإصلاحي والمعتدل الى الرئاسة في ايران هو ان خامنئي شعر بالقلق على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي اعتقد ان فوز روحاني يمثل نوعا من الترضية للداخل وتخفيف حالة الاحتقان السياسي بعد فضيحة الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009 والتي تبعها في نهاية عام 2012 احتجاجات بازار طهران الكبير بسبب تدهور سعر صرف الريال الايراني وقد كان الشعار الذي رفع يكاد يكون نسخة معدلة من شعار الحركة الخضراء. فالتجار هتفوا «أوقفوا دعم سوريا وانتبهوا إلى حالنا», اما على المستوى الخارجي فهي رسالة لمحاولة اعادة بناء جسور التواصل مع العالم والتي تأزمت اما بسبب الاستمرار في مقارعة المجتمع الدولي بسبب ملفها النووي والذي ادى الى عزلها دوليا واما بسبب تأزم علاقاتها الاقليمية بسبب تدخلها السافر والمشين والدموي في الملف السوري أو في ملفات أخرى كالبحرين واليمن ولبنان والعراق وأفغانستان المواكبة مع العقوبات الاقتصادية التي أنهكت اقتصادها. فهذه الامور المقلقة على المستويين الداخلي والخارجي قد تجتمع لتزيد من احتمالية تفجر الوضع الداخلي وربما يعاد سيناريو مظاهرات عام 2009 ولكنها هذه المرة تأتي في ظل ظروف مختلفة لا يجدي معها استخدام الإجراءات القمعية والتعسفية للقضاء عليها كما حدث ضد الحركة الاحتجاجية المعروفة ب«الحركة الخضراء» لأن الذهنية الجمعية للشعب الإيراني اصبحت مشحونة بصور الربيع العربي الذي انطلقت شرارته من مدينة سيدي بو زيد في تونس ثم بدأت تمور في العالم العربي شرقة وغربه بثورات شعبية نجحت في اقتلاع أنظمة في مصر وليبيا واليمن وسوريا حكمت عقودا طويلة بالحديد والنار. كل هذه الصور تشحن الذهنية الإيرانية وتضيف الى رصيد الثورة الايرانية رصيدا على الاستمرار بالاحتجاجات والمطالبة بإخراج البلاد من العزلة الدولية التي اوصلتهم اليها القيادات المتشددة وجنرالات الحرس الثوري والعقوبات الاقتصادية المتزايدة نتيجة الاصرار على مجابهة النظام الدولي بسبب الملف النووي وذلك إما بتسوية المشروع النووي بالتوصل إلى اتفاقات مع الغرب واما ان حالة الاحتقان السياسي ستؤدي الى إسقاط النظام.