تأتي الانتخابات الإيرانية المزمع إجراؤها في إيران في 14 يونيه 2013 في ظل تحولات خطيرة تعصف بالمنطقة بعد ما عرف بثورات «الربيع العربي»، حيث يعاد تشكيل الخارطة الجيوسياسية للمنطقة وما يترتب عليها من إعادة بناء المحاور والتحالفات بصيغة جديدة. في ظل هذه التحولات هناك الإصرار الإيراني على الاستمرار في مشروعها النووي الذي أدى إلى عزلها دولياً وتأزم علاقاتها الإقليمية بسبب تورطها في الملف السوري المتواكب مع العقوبات الاقتصادية التي كانت آخرها العقوبات الأوروبية والتي أدت إلى إنهاك الاقتصاد الإيراني. أمور قد تجتمع وتكون حاسمة في اختيار أحد المرشحين. إذن هناك مجموعة ملفات ساخنة ستكون حاضرة بقوة في الانتخابات الإيرانية يتقدمها الملف النووي كما ذكرنا والقيود التي يفرضها الغرب والملف السوري، وكذلك الملف الاقتصادي والحياة اليومية للناس، لن أتطرق لأي من هذه الملفات والتي قد عالجتها في مقالات سابقة إلا أنني سوف أكتفي بالتركيز في عجالة على الخارطة السياسية للانتخابات المقبلة. ما يمكن التقاطه من تحليل المشهد الإيراني وخاصة بعد تسجيل رفسنجاني اسمه في اللحظة الأخيرة بعد إشاعة نيله موافقة لترشحه من مرشد الجمهورية الإسلامية على خامنئي، من خلال «اتصال هاتفي» ومرافقة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمرشح المقرب منه سفنديار رحيم مشائي عند توجهه لتسجيل اسمه للترشح في وزارة الداخلية الإيرانية وكذلك دخول كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين سعيد جليلي على الخط الانتخابي، لحظة للدراما السياسية وتنافس بين ثلاث قوى رئيسية متصدرة المشهد الانتخابي. قوى الإصلاحيين والمعتدلين الداعمين لرفسنجاني فانحياز رفسنجاني لصالح الحركة الخضراء وهي الحركة المعارضة التي سحقت احتجاجاتها بعد آخر انتخابات في عام 2009 بعد فوز أحمدي نجاد بفترة ولاية ثانية أمام المرشحين الإصلاحيين مير حسين موسوي ومهدي كروبي والتي أثارت خلافاً حاداً وقتل العشرات في أسوأ اضطرابات منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، كان لها دور في ميل الإصلاحيين وبعض المحافظين أو ما يسمى تيار الوسط والذي يحمل بعض صفات اليمين وأخرى من اليسار لصالح رفسنجاني. بالإضافة إلى دعم قوى الإصلاحيين والمعتدلين لرفسنجاني فإنه كذلك يحظى بدعم مجتمع رجال الأعمال بسبب نظرته الاقتصادية الليبرالية وسياسته الخارجية المعتدلة وخاصة بازار طهران. أما القوى الثانية فيمكن مجازا أن نطلق عليها بالتيار المشائي أو ما يسمى بجماعة «البهاريين»، وهم خليط من الشباب الداعمين لسياسة سفنديار رحيم مشائي القومية والليبرالية في مجالات الثقافة والمجتمع وبين أصوات ذوي الدخول المتدنية الذين يتلقون معونات حكومية. ومن أهم أفكار مشائي «دعوته لفكرة الإسلام القومي الإيراني؛ فبالنسبة له الدين يختلف من أرض لأخرى وإن عَرّف الإيراني بنفسه كإيراني، سيكون الأمر أسهل عليه ليُعرف بهويته». ويرى كثير من المحللين أن مشائي كان له دور مؤثر في تحول خطاب أحمدي نجاد من الخطاب المهدوي إسلامي الصبغة إلى الخطاب القومي الإيراني والذي يوظف الحضارة الفارسية في فترة ما قبل الإسلام في العامين الماضيين من رئاسته. ويواجه مشائي معارضة شديدة من المتشددين بسبب آرائه الدينية ومعتقداته التي يرى أنها خرافية مما جعله من المبعدين أيديولوجيا. وبالتالي فمن الممكن جدا أن يقرر مجلس تشخيص مصلحة النظام إقصاء مشائي بسبب آرائه الفلسفية المثيرة للجدل أو بسبب مرافقة الرئيس أحمدي نجاد عند توجهه لتسجيل اسمه للترشح والذي عده عباس علي کدخدائي الناطق باسم مجلس صيانة الدستور الإيراني خرقاً للقانون ما لم يتدخل خامنئي شخصياً. أما بالنسبة للقوى الثالثة فيشكل الأصوليون المتشددون والمحافظون الموالون لآية الله خامنئي سواء كانوا علماء دين في الحوزات العلمية أو من البازار والذين يحتشدون تحت عنوان (الجبهة المتحدة للأصوليين) أو (جبهة المبدئيين الموحدة) وترى هذه القوى في المرشح سعيد جليلي خيارا مفضلا فهو من المحافظين المتشددين المقربين من المرشد علي خامنئي بل من يتبعون وصايا المرشد حرفياً ورئيس المفاوضين الإيرانيين في المجال النووي وبالتالي بتأييد ووقوف المتشددين والمحافظين والمرشد إلى جانبه يعد جليلي مرشحاً محتملاً للمؤسسة الحاكمة. أعتقد بعد انتهاء لجنة المراقبة في مجلس صيانة الدستور من دراسة أهلية المرشحين والمكونة من اثني عشر عضوا، نصفهم قانونيون والنصف الآخر رجال دين، فإن المنافسة الحقيقية ستكون بين هؤلاء المرشحين الثلاثة الأقوياء سعيد جليلي رئيس المفاوضين الإيرانيين في المجال النووي والذي سيوجد كما ذكرنا القوى المحافظة التي تشكِّل قوة ذات نفوذ في المجتمع الإيراني وجماعات المرشد إلى جانبه، فيما سيحصل مشائي على دعم الرئيس أحمدي نجاد وجماعة «البهاريين» التي لا تزال تسانده وترى في سياسته تقويضاً لسلطة رجال الدين لصالح تيار أكثر قومية، أما المرشح الأقوى رفسنجاني فسيخوض معركتة معتمداً على الإصلاحيين ورجال الدين المعتدلين ورجال الأعمال خاصة بازار طهران إذ يعلق عليه الإيرانيون آمالاً في تخليصهم من الأزمات المتعاقبة التي أوصلتهم إليها قيادات رجال الدين من جماعة علي خامنئي وجنرالات الحرس الثوري والتي أدخلت البلاد في مأزق سياسي أدى إلى عزلها دولياً متواكبة مع الأزمة الاقتصادية المتزايدة نتيجة سوء الإدارة والعقوبات الدولية.