هل راقبت ثلة من الناس وهم يضحكون؟ هل وقفت أصم وبعيدا عن هذا الضحك الذي لا تعرف سببه؟ الجاحظ يقول: ليس في امكانك الا ان تنخرط معهم في هذا الضحك أي «مع الخيل يا شقرا» وقد أثبت العلم الحديث صحة ملاحظة الجاحظ فهو يقرر أن «المشاعر الانسانية لها خاصية الانتقال فيما يشبه العدوى». غير أن مراقبة مجموعة ضاحكة تعطيك بعد عدواها فضاء من التفكير في ألوان هذه الضحكات فليست كلها متشابهة فمنها الصفراء والبلهاء والرمادية ومنها ما لا يتجاوز الشفتين.. تغرد فيروز وتقول: يكبي ويضحك لا حزنا ولا فرحا كعاشق خط سطرا في الهوا ومحا وهذا أليس صدى لما قاله الشاعر الجاهلي من قبل: عشية مالي حيلة غير انني بلقط الحصى والخط في الترب مولع اخط وامحوا الخط ثم اعيده بكفي والغربان في الدار وقع ماذا نسمي هذه الحالة؟ نسميها «الذهول» وهو «تشتت الذهن أي توزع الانتباه بين موضوعات مختلفة بحيث يؤدي ذلك إلى العجز عن تركيز الذهن على احدها. هناك ما يسمونه الضحك الاجتماعي وضحك الدهشة وضحك المفاجأة وضحك المفارقة.. واضيف عليها ضحك الذهول.. ولكن ما يعنيني من هذا كله هو الضاحك من القلب والضاحك من الشفتين، فهذا الذي يضحك من الشفتين لا يسمى ضحكه ضحكا بل انفراج شفتين.. انه لا يعرف الضحك أما ذاك الخارج من القلب فان وراءه الدهشة، والدهشة هي التي تضفي على الوجود والموجودات ألوانا من الضحك القلبي يمكن أن نسميها الأبيض والأخضر والسحاب الذي يمكن ان يمطر ولا يمطر. يقولون إن الساخر يقنع ألمه بالضحك أي أن ضحكه مجرد قناع لا يخرج من قلبه وانا أرى انه تعميم خاطئ فالشاعر الصديق حسن السبع يملك طاقة كبيرة على السخرية وهو مع ذلك اذا ضحك ترى ان قلبه يرفرف على ضحكه وأن جسده يهتز كله «كما انتفض العصفور بلله القصر». أما ضحك بعض الناس فهو كما قال عمنا: وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكا