نلسون مانديلا الذي يعتبره مواطنوه في جنوب افريقيا ابا الامة واتباع نهجا تصالحيا بيت مختلف المجموعات التي مزقها نظام الفصل العنصري، بدأ حياته السياسية قوميا افريقيا لا يريد البيض في البلاد قبل ان يشن حركة نضال مسلح , وعند وصوله الى جوهانسبورغ في 1941 في الثانية والعشرين من العمر، واجه مانديلا الشاب تمييزا لم يعشه من قبل عندما كان يقيم في مسقط رأسه في ترانسكي (جنوب شرق) , كانت ثقافته السياسية الناشئة تجعل منه "قوميا افريقيا" بحسب اقواله . فبالرغم من تأثره بالثقافة الاوروبية كان ليسعده جدا برمي المستعمرين البيض في البحر! , لم يكن يريد ممثلين للأقليات الاخرى في المؤتمر الوطني الافريقي الذي كان حزبا حصريا للسود عندما انضم اليه. كما لم يكن يريد ان يسمع شيئا عن اي اتفاق مع الشيوعيين الذين كانوا كذلك في صدارة الكفاح ضد التمييز العرقي. ويرى فيرن هاريس مسؤول برنامج الذاكرة في مؤسسة مانديلا ثلاثة تحولات كبرى في التطور السياسي للرجل , واوضح ان "التحول الاول يعود الى مطلع الخمسينيات عندما انتقل من موقف قومي افريقي لا يلعب فيه البيض اي دور في صراع التحرير الى مقاربة متعددة الاعراق. وهذا نجم عن التجارب الصعبة في تحركات الاحتجاج في مطلع الخمسينات" التي هدفت الى معارضة منهجه التمييز بعد انشاء نظام الفصل العنصري (الابارتايد) عام 1948. وقتئذ اتفق المؤتمر الوطني مع المعارضين الوافدين من اوساط مختلفة بما فيهم الشيوعيون الذين بداوا يؤثرون على افكاره. عام 1955 اقر الجميع ميثاق الحرية وهو نص يقترح مستقبلا لجميع شعوب جنوب افريقيا كان مانديلا فخورا به جدا , لكن النضال السلمي من اجل هذه المثل العليا لم يتمكن من مقاومة قمع نظام الابارتايد. عام 1960 تم حظر المؤتمر الوطني الافريقي فيما انتقل مانديلا الى العمل السري بعد توقيفه عدة مرات. في تلك الفترة اطلق مانديلا النضال المسلح معتبرا انه وحده قادر على صد سلطات البيض. وهذا بحسب هاريس الانقطاع الثاني في مسيرته السياسية. وكتب مانديلا الذي تولى رئاسة الجناح المسلح للمؤتمر الوطني في مذكراته "طوال 50 عاما اعتبر المؤتمر الوطني الافريقي اللاعنف مبدأ رئيسيا له. من الان وصاعدا سيكون المؤتمر الوطني منظمة ذات طابع مختلف. سننطلق في طريق جديدة واكثر خطورة، طريق العنف المنظم". هذا التحول اتى في الوقت الذي كان رئيس المؤتمر الوطني البرت لوثولي يتلقى جائزة نوبل للسلام لنضاله السلمي ضد نظام الفصل العنصري. وعلق هاريس مبتسما "من سخرية التاريخ ان مانديلا تلقى جائزة نوبل للسلام عند توقف النضال المسلح". على خلفية الحرب الباردة عندما قدمت جنوب افريقيا نفسها معقلا غربيا بمواجهة "الخطر الاحمر" بات نلسون مانديلا يعتبر "ارهابيا" في تحول تبناه، ورسمت له سلطات بريتوريا صورة سلبية سعت الى الصاقها به , بالتالي بقي اسمه على لائحة الارهاب في الولاياتالمتحدة حتى العام 2008 , بعد توقيفه عام 1962 كرر مانديلا في اثناء محاكمته ان اللجوء الى الارهاب لم يكن الا ردا على عنف نظام الابارتايد. والقى مرافعة بدت فيها ملامح راعي المصالحة الذي سيصبحه للامة الجنوب افريقية وقال "كافحت ضد سيطرة البيض وضد سيطرة السود. مثالي الاعلى الاهم هو رؤية مجتمع حر وديموقراطي يعيش فيه الجميع بتناغم ويتمتعون بفرص متساوية". بعدئذ امضى مانديلا 27 عاما في السجن، حيث قرا الكثر من الكتب بالافريكان (لغة جنوب افريقيا) لتحسين فهمه لاعدائه اولا ثم للتمكن من تقديرهم والصفح عنهم , وفيما بات في جميع انحاء العالم رمزا لقمع الابارتايد وبدات العقوبات تضغط على النظام بادر مانديلا عام 1986 الى فتح مفاوضات سرية مع سجانيه , وكتب في مذكراته "لم اكن مستعدا للتخلي عن العنف على الفور لكنني اكدت لهم ان العنف لا يمكن ان يكون الحل النهائي لوضع جنوب افريقيا".
بعد الافراج عنه عام 1990 شهد انقطاعه الثالث بحسب هاريس الذي اكد انه تمثل في "التخلي عن الاطر والمرجعيات الماركسية او الشيوعية العميقة في فكره، فيما انبثق اطار شبه ليبرالي مكانها" , كان جدار برلين سقط لتوه وبدا البيض اكثر تقبلا لمانديلا الذي سيسلمونه السلطة قريبا , وانجزت اناقته الطبيعية والاهمية التي اولاها لمصلحة الدولة الباقي، ليصبح مانديلا ابا الامة ويجذب خصوم الامس الذين امتنع عن اهانتهم.