بالأمس كنت على طريق المطار في تمام الساعة الثانية عشرة والنصف مساء كانت رحلة رعب استغرقت أربعين دقيقة فالرؤية كانت تنعدم في أغلب الأوقات من كثافة الرمال التي يحركها الهواء فتندفع متطايرة لدرجة أنها غطت ثلاثة أرباع الإتجاه الأيمن فإذا ارتفعنا بعض الوقت على جسر ما رأينا ما أمامنا وإذا انخفضنا انعدمت الرؤية أو كادت . ولم تفلح معها الشجيرات القليلة التي زرعت على جانب الطريق بل إن الصغار منها دفنته الرمال فلا يكاد يرى وخطر لي حينها تساؤل عن أسباب عدم تشجير عدة أمتار على جانبي الطريق بشجر كثيف مثل شجر الإثل لتكون سياجاً طبيعياً تمنع هذا الزحف وتبعد خطر الحوادث عن العابرين . وهذا ما نحتاجه في كثير من طرقنا التي تشق في وسط الرمال الصحراوية الجافة التي تطيرها نسمة الهواء فكيف إذا كانت سرعة الرياح قوية كما هو الحال بالأمس وهو حال جعل الرؤية فما بالنا لا نحتمل أدنى الأذى من هذه الأجواء المغبرة ربما لأننا نخاف على ما لدينا وإذا خفنا على أنفسنا فبسبب ما لدينا أيضاً من ماديات فنحن ننزعج من الغبار على المقاعد والطاولات والسجاد والرخام ونخاف في الشوارع على أنفسنا لأننا نركب الحديد الذي يملأ قلوبنا بالخوف ألهذا نكره هذه الأجواء التي نختبئ عنها في أماكن مظللة ومبردة ؟ صعبة حتى داخل المدن . واليوم وأنا أتأمل ما حدث بالأمس وأعلم من خلال بعض المتابعات أن الحال اليوم كما هو عليه بالأمس تذكرت أجدادنا الذين عاشوا وسط هذه الصحراء المتقلبة فكم عانوا من رياحها الغاضبة وأتربتها المتطايرة ومن مناخ قاس في حرارته وبرودته ولكن حرارته أشد ومدتها أطول ولكنهم مع هذا لم يتركوا لنا فيما تركوه من قصائد شيئاً يذكر لتلك القسوة المناخية وكأنهم كانوا متصالحين مع الصحراء ترابها وصخورها وحرارتها وهذا الصلح نمى فيهم احساساً مغايراً لما كانوا عليه وها نحن اليوم رغم كل أجهزة التكييف التي تحتضننا والأماكن الظليلة التي نستظل تحتها نكثر من التذمر في كل وقت ونرتبك كثيراً ونسخط كثيراً . في حين أنهم كانوا يمارسون حياتهم كما هي وبكل ما فيها من صعوبات ليست الأتربة المتطايرة إلا جانباً منها فقد كل ما يتطلبه يومهم من تحركات فيه الكثير من العناء الذي يحرق الأقدام ويجفف الشفاة . كانت رياح السموم أشد وطأة على ساكني الخيام والبيوت الطينية المتواضعة التي تنتقل فيها من مكان لآخر ولا يظلك شيء غير أشعة الشمس في النهار والنجوم في المساء !! فهل كانت نجوم المساء كافية لتنسيهم حرقة النهار اللافحة ؟ يبدو أن هذا ما كان يحدث وإلا لما وصل إلينا هذا الكم الهائل من قصائد الشعراء وعن حكايات نسجوها في قصائدهم عن العشاق الذين كانت حرارة أشواقهم تنافس حرارة الأجواء الطبيعية من حولهم لينسوا الثانية بالأولى . لقد كانت ليلة سمرٍ واحدة في مساءاتهم الرقيقة كفيلة بأن تجدد أرواحهم وتسكب فيها ما ينعشها ويطري أوردتها . سمعت وقرأت عن حكايات المشقة التي عانوها ولكنها لاتصل لربع ما قرأناه من قصائدهم وما سمعناه من ألحانهم السامرية والهجينية وغيرها . كانت أطياف أعرفها وأخرى أجهلها تمر أمامي تخترق ذرات التراب في خيالي لتحكي لي حكاية صبر طويل طويل لم يتبق لنا منه سوى أقل القليل ! فما بالنا لا نحتمل أدنى الأذى من هذه الأجواء المغبرة ربما لأننا نخاف على ما لدينا وإذا خفنا على أنفسنا فبسبب ما لدينا أيضاً من ماديات فنحن ننزعج من الغبار على المقاعد والطاولات والسجاد والرخام ونخاف في الشوارع على أنفسنا لأننا نركب الحديد الذي يملأ قلوبنا بالخوف ألهذا نكره هذه الأجواء التي نختبئ عنها في أماكن مظللة ومبردة ؟ ألأننا نحتجز بطريقة قسرية عن الخروج ؟! إن تغير كل شيء من حولنا ليس كافياً ليبرر لنا سوء أعمالنا وتعاملنا مع طبيعتنا الصحراوية Twitter: @amalaltoaimi