لعّل خصوصية الثورة السورية طوقتها بحصارين مزدوجين تلاقى عليهما أكثر من محور دولي وإقليمي , ومع تجديد مواقف الاحتواء أو الإعاقة بعد فشل محاولات الإحباط الكلي للثورة وقناعة هذه الأطراف أنّ محصّلة الثورة النهائية هي التغيير وإسقاط النظام , فعَمِلت بكل جهد على تغيير هذا التغيير , وكان الجهد الدولي الإقليمي لحصار الثورة السورية يرتكز على خطّي القلق الكبير من محصّلة نجاحها أمن إسرائيل والخوف من الربيع العربي على مصالحه , أمّا الأوّل حيث حسم الغرب مبكراً مخاوفه من أنّ كل محصّلة النصر السوري سوف يتحوّل إلى تغيير القواعد الجغرافية والديمغرافية المحيطة بالكيان اليهودي الى وضعية غير مأمونة نهائياً لأمن إسرائيل , حتّى مع تسلّم الحكم من قِبل حكومة وطنية تنتجها الثورة وتبدأ اولوياتها ببناء سوريا الجديدة ونظام حريّتها واستقرارها وليس بدء حربِ جديدة . فالغرب يُدرك أنّ التحول من حروب نزاع مقنّنة بين تل ابيب ووكلاء إيران في لبنان لا يُمكن أن يُقارن بحروب الصراع الوجودي بين العرب وبين إسرائيل في ظل وجود إرادة حرّة لشعوب المنطقة , فهذا النزاع المقنّن ضمِن للإسرائيليين تحييد كل جبهة الجولان, ونزَعَ الشريط الحدودي من الوجود العربي وسلّمه إلى حزام إيراني يعزل الجغرافية والديمغرافية العربية عن حدود الكيان . قواعد اللعبة لن تنتظر محور المواجهة الخليجي لإيران وأنّ الحسابات قد تلتّف عليهم , وفي كل الأحوال هناك قاعدة واحدة لم تتغيّر وهي صعود الثوّار وحسم الميدان الذي اثبتت الانتصارات الأخيرة المتعددة في مطارات ومفارز وخاصة في حلب قدرتها على نيل الحسم الكبير فوق كل الحسابات وإن أُعيدت جدولة الحرب وتأخّر النصر. ولم يكن الغرب جاهلاً حين أثار الروس هذه القضية أمامهم مبكراً وهي أنّ انتصار الثورة ليس في صالح تل أبيب , لكن اعتمد الغرب على لغة التأثير المبطّن ضد سوريا وثورتها الداعم لحصار الثوّار عملياً, وفَتَح خيارات التفاوض مستقبلاً بعد سقوط النظام أو خلال مراحل الصراع بحكم أنّ الغرب أعلن إعلامياً أنه ضد الأسد ومع الشعب وإن كان موقفه الحقيقي صبّ في صالح بقاء الأسد طوال هذه الفترة , ومن المهم ملاحظة أنّ هذا التوافق في مواجهة الثورة عبر استراتيجية تحالف الأقليات لا يزال يُعتمد في برنامج الحلفاء السري , وهو المشروع الذي بشّر به الجنرال عون طويلاً كي يُقدم للغرب نظريته في تأمين هذا التحالف بينه وبين حزب إيران اللبناني لمصالحهم وأمن إسرائيل , ومن الواضح أن حالة الفزع الجديدة لدى الحزب والتقدم في منطقة القصير اللبنانية مؤخراً لتأمين حزام قرى حدودية داخل الأرض السورية كان ضمن هذا السياق وهو المراهنة على فصل الشريط ضمن نظرية التقسيم أو المحاور لمواجهة انتصار الثورة , خاصةً مع تقدم عملية التوافق بين أطراف مسيحية وحزب إيران اللبناني نحو مشروع تصويت الطوائف لمناطقها وهو برنامج تهيئة واضح للتقسيم , الذي يخدم بالجملة فكرة تأمين حدود الكيان الإسرائيلي وهو هدف الغرب الأكبر . وهنا وقفة مهمة تُبيّن لنا حجم شعور خصوم الثورة الاستراتيجيين بالهزيمة أمام عزيمة الميدان , إن ذات فكرة التقسيم أو التهيئة له أو اندفاع حزب إيران اللبناني الى الاراضي السورية , يُجسّد شعور هذه الأطراف بحتمية سقوط النظام , بل إن حتّى الدويلة الطائفية التي يُراهن عليها الروس والنظام للانسحاب لها لم يتركها الثوّار لكي تستقّر بل خرقوا حدودها المؤملة من عدة محاور , وهنا يقفز لنا دور الميدان الثوري المستمر في إسقاط كل محاولات الإجهاض لانتصار الثورة الشامل , فبدلاً من أن يركع الثوار لسلسلة المذابح التي بات المشهد الدولي يتسابق لإعلان ضحاياهم من الأخضر الإبراهيمي الى جون كيري !! بعد أن كانوا يتعامون عنهم , تحوّل الثوّار الى مرحلة الاحتواء لهذا النوع من الحروب , والتركيز على ذات خط الصعود في استراتيجية الميدان وتحقيق تقدم نوعي وهو الذي يُحبط عملياً موازين الصفقات الدولية على الشعب السوري . إن المواجهة الشرسة التي تلقّاها حزب إيران اللبناني في القصير السورية لم تكن الأولى في اشتباك عسكري مع الثوّار , لكنّها كانت تندلع ومجندو الحزب ضمن قوّات النظام , أمّا هذه المرة فمباشرةً بين المقاتل الإيراني والثائر العربي السوري , فكان حجم الهزيمة للحزب أمام ضراوة القتال الثوري المغبون من مشاركة هذا الحزب ضد شعبه مؤشّرا يتجاوز هزيمة القصير الى تثبيت أنّ الجيش السوري الحر صلبٌ ومخيف أمام أيّ هجوم يستهدف وحدة أراضيه أو إسناد النظام , وهنا يتبيّن لنا في هذا المسار قوّة الميدان الثوري أمام خيارات الحسابات الدولية والإقليمية رغم كل الحصار حيث يسبق رهانه كلّ حِصار في مسار زحف متواصل , نعم.. قد يتقهقر أو يتوقف نسبياً لكن استراتيجياً يتواصل . ولذلك حرّك الغرب المسار الثاني وهو إشعال بركان القلق في اوساط الدول العربية وخاصةً الخليجية من أن انتصار ثورة سوريا يعني التجديد لزخم الربيع وأحلام الشعوب بالحرية , لكنّ المفارقة أنّ الروس وإيران لم يكتفوا بتطويل عمر النظام بل اندفعوا لتدويل مساند من خلال الزج بقضية البحرين في برنامج المفاوضات الدولية وهو الأمر الذي له قبول عام في الغرب وما يعنيه ذلك من تأثير على ما لوّح به الروس عن بعض الاجزاء في الخليج العربي . وهي دلالة على أنّ قواعد اللعبة لن تنتظر محور المواجهة الخليجي لإيران وأنّ الحسابات قد تلتّف عليهم , وفي كل الأحوال هناك قاعدة واحدة لم تتغيّر وهي صعود الثوّار وحسم الميدان الذي اثبتت الانتصارات الأخيرة المتعددة في مطارات ومفارز وخاصة في حلب قدرتها على نيل الحسم الكبير فوق كل الحسابات وإن أُعيدت جدولة الحرب وتأخّر النصر , وهي قد حسَمت عقيدتها القتالية أن حماية الشعب ووقف المجازر ليس في يد الإبراهيمي بل بإسقاط النظام الإرهابي , وهذا الإسقاط كان ولا يزال بالإمكان بدعم القيادات العسكرية التي توحدت تحت الجيش الحر مؤخراً ضمن مشروع الائتلاف خاصة بعد ان اظهر قدرته على توحيد المعركة واحتواء الفصائل الأُخرى والعبور بسوريا الى بر الامان لسوريا الجديدة والحلفاء العرب ..فهل وصلت الرسالة .