حارس أمن يعمل شهرا وردية نهار وآخر في وردية الليل، لديه زوجة واطفال وأم واخوات، ولديه طموح ان طفله محمد يجب أن يخرج من دوامة «من اليد للفم»، حتى لا تكون أعظم امانيه - أو هواجسه- تسديد ايجار البيت. لكن كيف يكون ذلك؟ زوجة الحارس عبدالله تحمل دبلوماً، تقوم بادوار لا تمارسها الكثير من الأمهات السعوديات؛ فهي تدرس أطفالها وتشرف على كل ما يتعلق بهم من غسيل ملابسهم إلى طبع قبلة ما قبل النوم على جبهاتهم الغضة، وتهتم بزوجها مأكلاً ومشرباً، وفي ساعات الفراغ القليلة تخيط عباءات نسائية لمحل ليس بعيدا عن المنزل، ويجلب زوجها الأقمشة ويسلم العباءات عندما تكتمل خياطتها ويحصل ما لزوجته من أجر. هذه الأسرة السعودية مثالية، فهي لا تحمل الاقتصاد أعباء استقدام خادمة وسائق، ولم تشغل البنوك في طلب وتسديد القروض.. هي أسرة جميع أفرادها يعملون بجد؛ الأب يعمل لحراسة ممتلكات الشركة ويحصل على راتب شهري ضئيل، والأم تعمل لرعاية أسرتها وبيتها وتخيط العباءات لتحصل على أجر ضئيل كذلك. يضع عبدالله المال على المال وبعد التوفير والتقتير بالكاد يغطي المصاريف. يكاد عبدالله أن يكون مثالياً فليست له مصاريف جانبية، فهو في مجتمعنا من «يكشر» عن شدته في الدعم عندما يتعلق الأمر بأمثال هؤلاء الذين يعملون نظير أجور منخفضة، لكن لا يظهر أثر «لتكشيرته» ومعاداته للدعم عندما نتحدث عن دعم المشاريع الاقتصادية والصناديق التنموية ليس مشتركاً في استراحة مع الشباب، وليست له صلة بالمعسل وجلسات المقاهي الشعبية. لكن عبدالله يصر أن يخرج مع أسرته عقب صلاة الجمعة لأحد المطاعم، ولطالما تجاوز عن ذلك عندما تتطلب ظروف العمل أن يقوم بالحراسة يوم الجمعة. هذه أسرة خفيفة الوقع على مجتمعها واقتصاده، تعطي أكثر مما تأخذ؛ تعطي أطفالاً تبذل الأسرة كل جهد ليكونوا صالحين منتجين، أما ما تأخذه الأسرة فبالكد ومكابدة. هذه الأسرة لا تعيش حلم ان تحصل على قرض «سمين» من صندوق تنموي لإقامة مشروع تجلب له عمالة من الهند والسند، بل تحلم بأن يخرج من أبنائها نابه ينتشلها مما هي فيه من الكدح فقط لتطفو، وليس أكثر. هذه الأسرة ليست فقيرة لكنها فقيرة، وهذه الأسرة تمارس معيشتها وكأنها وحيدة رغم أنها جزء من المجتمع. في مجتمعنا من «يكشر» عن شدته في الدعم عندما يتعلق الأمر بأمثال هؤلاء الذين يعملون نظير أجور منخفضة، لكن لا يظهر أثر «لتكشيرته» ومعاداته للدعم عندما نتحدث عن دعم المشاريع الاقتصادية والصناديق التنموية. سيقول قائل مستبقاً قوله بإبتسامة تهكمية: المشاريع التي تدعمها الصناديق التنموية تنوع الاقتصاد وتضيف قيمة، أقول نعم وأضيف: وتضيف عمالة وافدة وتضيف واردات معفاة ومرافق مدعومة الخدمات، ثم أن هذه الأسرة وامثالها تضيف أكبر قيمة بأن تخرج لها أطفالاً متواضعين لم يرهقهم اللعب بالبليستيشن ويضخمهم أكل التوكس! كيف تكافأ الأسر التي تحاول الوصول للاستقرار الاقتصادي؟ بأن نبادر بوضع منظومة حوافز مالية لهم، تحقق لهم الاستقرار المالي وتستقطب المزيد ليحذو حذو هذه الأسر الجادة. وسيسأل بعض المنظرين: ولماذا هذا الانفاق والعبء الاضافي على الخزانة؟ هناك فرق بين ما تستطيعه دولة فقيرة لتحفيز مواطنيها للعمل والانتاج لاستخراج أفضل ما لديهم، ودولة أخرى قادرة متوثبة تنفق دون حدود لتنمية الحجر وتعليم البشر وتطبيبهم، بقي تحفيزهم ليعملوا فيخرج الفقير منهم من فقره. توتير:@ihsanbuhulaiga