من الظواهر المحمودة التي انتشرت لدى بعض الأسر السعودية إنشاء «صناديق الصدقة» داخل الأسرة، التي اختلفت أهداف تأسيسها من أسرة إلى أخرى، إلا أن الغالبية تبحث عن الأجر بالتصدق عن متوفين مقربين لها، أو نوعا من التكفير عن ارتكاب أخطاء، أو محرمات أتوها، كالكذب، أو النميمة وغيرها من التجاوزات، وأحياناً عن التقصير في العبادات على أن يتم إخراجها في أوقات الحاجة، وغالباً ما تكون خلال شهر رمضان أو نهايته. ويؤكد بعضهم أنه بإنشاء هذه الصناديق حلت البركة في المال من جهة، وكانت باباً من أبواب تفريج الكربات على بعضهم الآخر. سعة الرزق تقول السيدة «أم عبد الله»: إن زوجها توفي تاركاً لها أطفالاً، أبناء وبنات، بدخل أسري متوسط كمعاش تقاعد، ومع ذلك لم تكن تشعر بقلة الدخل عندما كان زوجها على قيد الحياة، بل العكس كانوا يعيشون في بحبوحة من العيش، لتكتشف أنه كان يمارس أعمالاً كمتسبب من هنا وهناك، إلا أن ما كان أكثر مفاجأة هو حضور بعض الأشخاص من رجال ونساء خاصة للعزاء والدعاء والترحم عليه، مؤكدين أنه كان لا يتركهم من المعونات والصدقات، وشعرت بقيمة مردود الصدقة على سعة الرزق، ومن حينها أنشأت صندوقاً للصدقات والتبرعات محددة الجهات التي توجه إليها، وانضم إليها أفراد من الأقارب فيما بعد، وكان هذا الصندوق باباً لتفريج الكربات عليها وعلى أبنائها الذين تفوقوا في دراستهم وتوظفوا بعد تخرجهم ونجحوا في أعمالهم. وتتفق السيدة «نهلة إبراهيم» - موظفة - مع ما جاء في حديث «أم عبد الله»، مشيرة إلى أنها أنشأت صندوقاً صغيراً لأسرتها الصغيرة حتى تعودهم على البذل والعطاء وأهمية الصدقة، وكان يهدف أساساً لتهذيبهم وحثهم على السلوك الحسن، فكل ما أحسن أحدهم التصرف وضعت له مكافأة نقدية رمزية حتى إذا ما تجمع مبلغ من المال اشترى لنفسه ما يرغب، والعكس في حالة ارتكاب السلوكيات السيئة، حيث يؤخذ جزء من مصروفه ويودع في الصندوق تكفيرا عما ارتكبه من أخطاء، وكذلك الكبار، ومن ثم يفتح هذا الصندوق نهاية رمضان ويخرج ما به صدقة بحضورهم وعلمهم، حتى يتعلموا دينهم، خاصة ما يتعلق بالزكاة والصدقة والتبرعات، وكان ذلك من أحب الأشياء لديهم ويحرصون عليه. وزاد السيد «سليمان الحربي» - موظف - إنه لاحظ حب أبنائه جمع النقود من أجل شراء ما يحتاجون إليه من أجهزة وأدوات مميزة، وأحببت أن ألفت انتباههم إلى أن هناك أوجهاً لإنفاق المال بعيداً عن الاحتياجات الشخصية، حتى أبعدهم عن عادة حب جمع المال؛ بهدف تحقيق الرغبات والأهواء، ومن ذلك التبرعات والصدقات وأوجه الخير، وكان أن خصصنا نسبة 2,5% من أي مبلغ يتم إيداعه، وليس ذلك إلا بهدف تعويدهم على أفعال الخير، وتعليمهم كل ما يتعلق بزكاة المال، خاصة أنهم مراهقون ومراهقات، ولفت انتباههم أيضاً إلى انعكاس ذلك على مختلف جوانب حياتهم وحياة الأسرة بصفة عامة، من عموم الخير وحلول البركة، وبالفعل أصبح هناك دافع مهم لهم للبذل والعطاء. السيدة «أم ياسر» - 65 عاماً - أحبت أن تؤصل الصدقة في نفوس أبنائها وأحفادها ففكرت بعمل صندوق للصدقة وضعته في مكان بارز من غرفة الجلوس، وأخبرت الجميع بأن هذا الصندوق مخصص للصدقة، ويوزع على الفقراء، أو دور تحفيظ القرآن، وفعلاً مع مرور الأيام صار أبناؤها وأحفادها يخرجون المال شيئا أساسيا في كل زيارة، بل أصبح الصغار أشد حرصاً في تسابقهم على وضع المال في الصندوق، وعند كل شهر تجمع ما في داخل الصندوق وتتصرف به في أي مجال خيري من صدقة تعطيها لأناس تعرفهم، أو دعوة كشراء كتب عن الإسلام بلغات أجنبية، أو حتى تشتري بها أذكار وتوزعها على التجمعات النسائية، والمجالات كثيرة.