لقد أفرزت الأزمة الاقتصادية العالمية العديد من القضايا التي تحتاج إلى توضيح للقيادات السياسة والاقتصادية في المملكة، وذلك لإعادة النظر في الاتفاقيات المبرمة مع الدول ذات العلاقات التجارية معنا. وقد كنت في أمريكا قبل عدة شهور للمشاركة بدراسة عن المملكة والإصلاح الاقتصادي وكان النقاش حامياً حول ما يجري في الدول الصناعية من سياسات تعود بالعالم إلى الحمائية من خلال ما يسمى بالحصة التجارية والمحاذير النوعية لتكون الأسواق تحت هيمنة شركات الدول الصناعية العابرة للقارات. وقد برزت الحمائية من جديد بالرغم من تعارضها مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تدعم التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء. وكان هناك مؤشرات لبروز الحمائية، وذلك قبل الأزمة الاقتصادية بعامين عندما تدخلت حكومة الرئيس السابق بوش الابن بفرض الرسوم الإضافية على الحديد والصلب الأجنبي بحجة عدم عدالة المنافسة متجاهلاً تقادم صناعة الحديد والصلب الأمريكية ونفوذ النقابات العمالية في رفع تكاليف الإنتاج من خلال تضخم الأجور والتأمين وغيرها. تواجه الدول النامية تحديات المنافسة التي من مزاعمها حماية البيئة التي تستغلها الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوروبية للمناورة الاقتصادية على حساب اقتصادات الدول النامية لكسب المزيد من المصالح الاقتصادية التي لا تستطيع كسبها من خلال المنافسة العادلة لأن تكاليف الإنتاج في الدول الصناعية المتقدمة عالية مقارنة بتكاليف إنتاجها في الدول النامية مثل الهند وتايلاند وكوريا الجنوبية وغيرها من دول النمور الآسيوية. العديد من الدول الصناعية المتقدمة تستغل تلويث البيئة لتبرير سياسات ضريبة عبور الحدود، وهي عالية تضعف منافسة منتجات بعض الدول النامية والدول الأقل نمواً. هذه سياسة ملتوية على اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، بل وعودة إلى نظام الحمائية، وذلك لإعطاء منتجات الدول المستفيدة من ضريبة الحدود حصة تسويقية أكبر وذلك يعد بعيداً عن مضمون اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تنهي نظام الحمائية. وبالرغم من معارضة الولاياتالمتحدةالأمريكية لاتفاقية كيوتو حول حماية البيئة من الملوثات وتقليل الانبعاث الكربوني إلا أنها وافقت أخيراً عليها عندما وجدت نفسها مستعدة لكسب سباق المنافسة، لكنها تستغلها اليوم لتحجيم المنافسة من الدول الأخرى وجعلها لصالحها. هذا ذكاء ودهاء قد لا يدركه السياسيون والاقتصاديون في الدول النامية، بل وإن أدركوا اللعبة وفهموها فإنهم مقيدون باتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي شكلتها وأحكمت شروطها وقيودها الدول الصناعية المتقدمة وفي مقدمتها الولاياتالمتحدةالأمريكية. وتعود الذاكرة إلى حوالي عشر سنوات عندما برزت قضية بيئية ضد مادة MTBE التي تنتجها سابك وتصدرها إلى الولاياتالمتحدة التي استغلت حماية البيئة من الملوثات لتكسب قضية كبيرة ضد سابك تدفع نتيجتها ملايين الدولارات مما جعلها تنسحب من السوق الأمريكية والبحث عن أسواق أخرى لهذا المنتج الصناعي. الخلاصة أننا قيدنا أنفسنا بمنظمات واتفاقيات عالمية قد لا نرى ضررها علينا إلا بعد حين وبعد أن نفقد الكثير من المكاسب الاقتصادية مما يعني أهمية إعادة النظر فيها، بل وأخذ الحذر من التوقيع على الاتفاقيات البيئية التي تحجم شركاتنا عن المنافسة. جامعة الملك فهد للبترول والمعادن [email protected]