في ديوان (ركلات ترجيح) لكاتب هذه السطور، تعترض سيدة على زوجها قائلة: «رويدكَ.. ليس في (الويكند) طبخٌ/ ولا نفخٌ فلا تثقل علينا/ ودونك عدَّةَ التلفون فاطلبْ/ لنا بيتزا تسر الآكلينا». ويبدو لي أنه لا علاقة لهذه السيدة بالحركات النسوية، أو ما بعد النسوية العربية، وإلا لما قبلت بدخول المطبخ بقية أيام الأسبوع. لكن فاتها أنه لا يوجد «نفخ» في أيام المايكروويف والأفران الكهربائية، كما فاتها أن ما يسر الآكلين، أو بعض الآكلين، هو الطعام المعد منزليا، فهو يسرهم لنظافته ولذته وقيمته الغذائية. أردت أن أكون أكثر دقة، فقلتُ «بعض الآكلين» لأن شباب وشابات هذه الأيام قد أدمنوا الوجبات السريعة، فهم بخلاف الجيل السابق الذي ظل وفيا لأطباق (الزمان الجميل) الذي لا نحب العودةَ إليه رغم جماله المزعوم. يقول جاننيع بولوك: «لا يوجد شجاع على وجه الأرض كذلك الذي يقاوم الرغبة في تناول حبة جوز ثانية»! وهو لا يتحدث، هنا، عن الشجاعة بل عن اللذة الكامنة في حبة الجوز، ذلك الإغراء الذي لا يمكن مقاومته، والذي يدفعك إلى تناول حبة ثانية وثالثة، وهكذا دواليك. ويمكنني، هنا، أن أنسج على منواله فأقول: لا يوجد شجاع واحد من جيلنا يستطيع مقاومة الرغبة في تناول طعام معد في المنزل. لا تستطيع المطاعم أن تنافس مثل ذلك الطعام. ليس هذا فحسب، بل إن على من قرأ كتاب جورج أرول (متسكعا بين باريس ولندن) أن لا يتذكر شيئا مما قراه في ذلك الكتاب عند تناول الطعام في أي مطعم كان. قد يزعج هذا الحديث بعض السيدات اللاتي يجدن في المطبخ ما يتعارض مع مبادئ وأجندات الحركات النسوية العربية. فالمطبخ، عند بعضهن، رمز من رموز الاضطهاد.. (وهو نفخ لم أخترعه بل قرأته). احتج أحد المثقفين يوما على تذمر زوجته المثقفة (أيضا) من الوقوف في المطبخ قائلا: «كما تتعبين من أعمال المنزل، أبذل جهدا مماثلا في الكتابة.. وردت عليه قائلة: «لكنك تجد في الكتابة متعة، أما أنا فلا أجد في الأعمال المنزلية تلك المتعة». ومعها كل الحق، فقد سبقها إلى هذه الفكرة الكاتب الفرنسي ستاندال عندما رأى أن العالم يبدو أجمل حين «يكون هوى المرء مهنته»! في روايتها (الزواج من بوذا) تقول الكاتبة الصينية (وي هيوي) على لسان الشخصية الرئيسة في الرواية: «أحد الأسباب التي جعلت العلاقة بيني وبينه تخبو أني لم أكن أجد متعة في الطهي(...) وعندما كنا نتناقش في أمور الطعام، كان ذلك يفضي إلى الحديث عن الحركة النسائية والحركة ما بعد النسائية، وهي مواضيع لم نكن نتوصل إلى اتفاق حولها على الإطلاق»! وبخلاف ذلك (النفخ) الرامي إلى ختم أبواب المطابخ المنزلية الأنيقة بالشمع الأحمر، أو تسليم مفاتيحها للخادمة، ترصد روز برنس في مقال لها تحت عنوان «هل قتلت النسوية فن الطبخ المنزلي؟» السلبيات الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي نتجت عن ذلك التوجه. دامت مطابخكم عامرة.