إذا كان الكثيرون يطالبون بحل عاجل وفعال لمعضلة تعثر مشاريعنا التنموية، وينادون بآلية قادرة على التوافق بين المشروع وفترة إنجازه وتحقيقه على أرض الواقع، فهناك أيضا أصوات عديدة -وأنا أحدهم- نطالب بما هو أهم من التنفيذ، وتنصب هذه المطالبات على مرحلة ما بعد التنفيذ، أو ما تسمى بمرحلة الصيانة والتشغيل والخدمات الدائمة للمشروع، وهي مرحلة حساسة وهامة ربما تضاهي في أهميتها التنفيذ إن لم تكن أهم، فمن الملاحظ في معظم مناطق ومحافظات المملكة ذلك التقاعس في مرحلة الصيانة والتشغيل للمشاريع التي تم انجازها، وهو أمر لمسناه في العديد من المشروعات التي نفذت وبقيت دون صيانة أو خدمات، مما جعلها عرضة للتلف والتدهور السريع جدا في بنيتها التحتية. والله إن ذاكرتي تستحضر الآن حديقة عامة تحولت إلى مكان بشع وخراب ودمار بعد افتتاحها بستة أشهر فقط حتى خالجني الشك بأن الجهة التي نفذتها إما أن تكون قد نسيتها، أو تكون سقطت من حساباتها وأمثلتي التي سأضربها ستتوجه إلى مشاريع تنموية ذات طابع حيوي، فقد مررت قبل أيام بممشى رياضي في إحدى المدن وقد وضح لي أنه من المشروعات المنفذة حديثا، وكنت قبلها قد مررت بحديقة عامة، وأيضا استوقفني شارع حيوي مر على الانتهاء منه أشهر معدودة، والملاحظة التي سجلتها في هذه المشروعات الثلاثة هي الاهمال الواضح بعد أن تم انجازها وافتتاحها، فالنظافة في ذلك الممشى تكاد تكون معدومة، وأسلاك الكهرباء مكشوفة أمام المارة، ونسبة كبيرة من أعمدة الإضاءة متآكلة، أو لا تعمل مصابيحها الكهربائية بشكل جيد، فضلا عن تراكم الأتربة والرمال الزاحفة، زد على هذا وذاك ما لحق بكراسي الجلوس الاسمنتية من فوضى دون أن تعاد إلى أماكنها أو تصان، وأخيرا أشجار النخيل البائسة التي لا تجد من يروي عطشها، أو من يشذب أغصانها فتهالكت وكادت تسقط على المارة. حال بعض الحدائق العامة التي نفذت بمليارات الريالات لم يكن أفضل، والتي كانت مطمحا للناس كمتنفس لأسرهم تجدها لا تصمد كثيرا، فالعطب سريعا ما يطول دورات مياهها أو مصابيحها أو مظلاتها أو تشجيرها، وهذا يعود ببساطة شديدة إلى افتقارها إلى عنصر الصيانة، أو وجوده دون فاعلية وتأثير، والكارثة في الحالتين آتية لا محالة، فمشاريعنا التنموية وفق هذه الرؤية القاصرة لا تحقق المرجو منها بصورة مستدامة، فوالله إن ذاكرتي تستحضر الآن حديقة عامة تحولت إلى مكان بشع وخراب ودمار بعد افتتاحها بستة أشهر فقط حتى خالجني الشك بأن الجهة التي نفذتها إما أن تكون قد نسيتها، أو تكون سقطت من حساباتها. وبطبيعة الحال سيبرر بعض مسؤولينا في البلديات والأمانات مسألة قصور الصيانة لهذه المرافق بإحالته إلى المناقصات والعقود والإجراءات المالية الأخرى، والرد المباشر على كل من يبرر ذلك وببساطة شديدة، أن هذا يدخل في حكم العذر الواهي، فحتى الذين لا يفقهون شيئا في شأن المرافق العامة وخطوات تنفيذ البنى التحتية يدركون أن عقد صيانة وتشغيل المشاريع أهم من تنفيذها، وأن قسم الصيانة والتشغيل هدفه الأول والأخير وبحسب ما تنص عليه اللوائح هو: المحافظة على مشاريع الطرق والمرافق العامة... إلا إذا كان من يقومون على هذه المشروعات يعملون وفق منطق: (كثر الله خيرنا حين استطعنا انجاز المشروع). كبشن [email protected]